كتاب ديوان المعاني (اسم الجزء: 2)

(يوماً بأطيبَ منها نشرَ رائحةٍ ... ولا بأحسنَ منها إذ دنا الأصلُ)
قال المصنف خص العشي لأن كون الانسان بالعشي أحسن منه بالغداة لرقة تعلوه بالعشي وتهيج يعتاده بالغداة وتعتري الألوان بالعشيات صفرة قليلة تستحسن ولذلك شبهها بالروض لما في الروض من الزهر وهو أصفر، ومن هذا قوله أيضاً
(وصفراء العشية كالعرارة ... )
وقال بعضهم بل خص العشي لنقصان الحسن فيه قال فشبهها في نقصان الحسن بالروضة في حال تمام حسنها، وليس كذلك لأن الروض بالغداة أحسن منه بالعشي. والتشبيه المصيب من الشعر القديم قول بشر بن أبي خازم:
(وروضٍ أحجمَ الروادُ عنهُ ... له نَفَلٌ وحَوذْان تؤامُ)
(تعالى نبتهُ واعتمَ حتى ... كأنَ منابتَ العُلجان شامُ)
الشام جمع شامة أي ظاهر كظهور الشامة في الوجه ويقال ما أنت إلا شامة أي أمرك ظاهر. وأنشد الجاحظ قول النمر بن تولب العكلي:
(ميثاءُ جادَ عليها مسبلٌ هطلٌ ... فأمرعت لإحتيال فرطَ أعوام)
(إذا جف ثراها بلها ديمٌ ... من كوكب نازلٍ بالماء سجام)
(لم يرعها أحدٌ وارتبها زمنا ... فأوٌ من الأرض محفوفٌ بأعلامِ)
(تسمعُ للطير في حافاتها زَجَلاً ... كأنَ أصواتها أصواتُ خُدام)
(كأنَ ريحُ خُزاماها وحَنوتها ... بالليلِ ريحُ يلنجوجٍ وأهضام)
ولم يدع شيئاً يكون في الخصب إلا ذكره. ومن أبلغ ما وصف به كثرة الكلأ
ما أخبرنا به أبو أحمد عن أبي بكر بن دريد عن عمه عن ابن الكلبي عن أبيه قال خطب ابنه الخس ثلاثة نفر من قومها فارتضت أنسابهم وجمالهم وأرادت أن تسبر

الصفحة 13