كتاب ديوان المعاني (اسم الجزء: 2)

عقولهم فقالت لهم إني أريد أن ترتادوا إلى مرعي فلما أتوها لقالت أحدهم ما رأيت قال رأيت بقلاً وبقيلاً وماءً غدقاً سيلا يحسبه الجاهل ليلاً قالت أمرعت وقال الآخر رأيت ديمة فوق ديمة على عهاد غير قديمة فالناب تشبع قبل الفطيمة. وقال الثالث: رأيت نبتاً ثعداً معداً متراكباً جعداً كأفخاد نساء بني سعد تشبع منه الناب وهي تعدو اه. بقلاً وبقيلاً: يقول بقل قد طال وتحته عمير قد نشأ، والغدق الكثير يحسبه الجاهل ليلاً من كثافته وشدة خضرته، والديمة المطر يدوم أياماً في سكون ولين، والعهاد أول ما يصيب الأرض من المطر الواحد عهد، تشبع منه الناب قبل الغطيمة: يريد أن العشب قد اكتهل وتم فالناب وهي المسنة من الابل تشبع قبل الصغيرة منها لأنها تنال الكلأ وهي قائمة لاتطلبه ولاتبرح موضعها والفطمية تتبع ما صغر والصغير فيه قليل. وهذه صفة بليغة. وأبلغ منها قول الآخر تشبع منه الناب وهي تعدو أي من طول النبات وكثرته وعمومه تعدو وتأكل لا تحتاج إلى تتبعه وطأطأة رأسها له. ولا أعرف في جميع ما وصف به كثرة الكلأ أبلغ من هذا. والثعد: الرطب اللين والمعد اتباع. والثرى الجعد الذي قد كثر نداه فإذا ضممته بيدك اجتمع ودخل بعضه في بعض كالشعر الجعد، وخص نساء بني سعد لأن الأدمة فيهم فاشية. ومن أبلغ ما قيل في طول الكلأ قول الآخر أنشده ابن السكيت وثعلب:
(أرعيتُها أطيبَ أرضٍ عودا ... الصلَ والصفصلَ واليعْضيدا)
(والخازبازِ السَنَم المَجودا ... بحيثُ يدعو عامرٌ مسعودا)
يقول قد سد النبات من طوله وسبوغه مسعوداً فليس يراه عامر فهو يصيح به، الصل والصفصل وخازباز ضرب من النبات. وليس ألفاظ الأبيات بالمختارة إنما اخترتها لجودة معناها. ونظر أعرابي إلى يوم دجن وإلى نبات غض فاستحسن فقال ارتجالاً:
(أنتَ والله من الأيام ... لَدْنُ الطَرَفَيْن)

الصفحة 14