كتاب ديوان المعاني (اسم الجزء: 2)

والأنف لطيب عرفها والفم للذة طعمها، وقال حكيم من الحكماء: الخمر صديقة الجسم والتفاح صديق الروح، وقال آخر منهم وقد حضرت وفاته واجتمع إليه تلامذته وأراد مناظرتهم فضعف عنها فقال: إئتوني بتفاحة أعتصم برائحتها ريثما أقضي وطري من المناظرة. فلم يستخفها إلا لفضلها على غيرها، وقال آخر: جسم التفاح صديق الجسم وريحه صديق الروح، وقال حكيم من الأطباء: إن أجودَ الأشياء لعلاج المزاج الحاد الكائن في المعدة مع المزاج البارد الكائن في الرأس وغثيان النفس وقلة الاستمراء للطعام التفاح، وقال إبراهيم بن هانئ: ما علل المريض المبتلى وسكنت حرارة الثكلى وردعت شهوة الحبلى ولا كسرت فورة السكران ولا أرضي الغضبان ولا ردت عرامة الصبييان بشئ مثل التفاح. والتفاحة إن حملتها لم تثقلك وإن رميت بها لم تؤلمك وقد اجتمع فيها لون قوس قزح من الحمرة والخضرة ولو حل التفاح لكان قوساً ولو عقدت القوس لكانت تفاحاً، وقال بعض الشعراء:
(حمرةُ التفاحِ في خضرتهِ ... أقربُ الأشياء من قوسِ قزح)
والخمرة تفاحة ذائبة والتفاحة خمرة جامدة. وقال الشاعر
(الخمر والتفاح شكلان)
وقال آخر
(تفاحةٌ حمراءُ منقوشةٌ ... ركبتَها في غصنِ الآس)
(ألبستها ورداً وكللتها ... إكليلَ نسرين على الراسِ)
وقال آخر في التفاحة:
(كأنما حُمرتَها ... حمرةُ خدٍ خَجل)
وقال ابن أبي أمية:
(ما زلتُ أرجوكَ وأخشى الردى ... معتصماُ باللهِ والصبرِ)
(حتى أتتني منك تفاحةٌ ... زحزحتِ الأحزانَ عن صدري)
(حشوتها مسكاً ونقشتها ... ونقشُ كفيك من السحرِ)
(واهاَ لها تفاحة أهديتْ ... لو لم تكن من خُدَعِ الدهر)
فإذا وصلت إليك أوصلك الله إلى رحمته وعطفه فتأمل وصفها بعينك وتناولها

الصفحة 34