كتاب ديوان المعاني (اسم الجزء: 2)

وأيقنت بالغلبة لضراوة عادتها فإنها العلوُ والتمكينُ ولمن ناوأها الذلُ والتوهينُ خصت بذاك على العرب أجمعين. ومما يجري مع ذلك ما أخبرنا به أبو القسم عن العقدي عن أبي جعفر قال أنشد جريرٌ هشام بن عبد الملك:
(لقوميَ أحمي للحقيقةِ منكمُ ... وأضربُ للجبّار والنقعُ ساطعُ)
(وأوثقُ عندَ المردفاتِ عشيةً ... لحاقاً إذا ما جردَ السيف لامعُ)
فقال هشام لم تركتَ نساءك حتى أردفن ألا جعلتهن كنسوة المخبل فما سمعنا بعربيان قط أمنع منهن حيثُ يقول:
(وساقطةٍ كُور الخِمار حييةٍ ... على ظهر عُرى زالَ عنها جِلالهُا)
(تَشُدُ يديها بالسنامِ وقد رأت ... مسومةُ يأوي إليها رِعالها)
(نزلنا فساقينا الكُماةَ دِماءَها ... سجالَ المنايا حيثُ تُسقي سجالُها)
وأجود ما قيل في ثبات الرجال في الحرب قول الحرث بن عباد:
(قَربا مربطَ النعامةِ مني ... لَقَحَتْ حربُ وائل عن حِيال)
(قَرِّباها فأنَ كفيَ رهنٌ ... أنْ تَزولَ الجبالُ قبل الرجالِ)
وقد وصف اللهُ ذلك في كتابه فقال {إن اللهَ بحبُ الذينَ يُقاتِلونَ في سَبيلهِ صفاً كأنهم بُنيانٌ مَرصُوصٌ} ولم يصف أحدٌ من المتقدمين والمتأخرين القتال في المراكب إلا البحتري:
أخبرنا به أبو أحمد قال
أخبرنا الصولي قال سمعت عبد الله بن المعتزيقولُ لو لم يكن للبحتري إلا قصيدته السينية في وصف إيوان كسرى فليس للعرب سينية مثلها، وقصيدته في البركة
(ميلوا إلى الدارِ من ليلى نحييها ... )
واعتذاراته في قصائده إلى الفتح التي ليس للعرب بعد اعتذرارت النابغة إلى النعمان مثلها، وقصيدته في دينار بن عبد الله التي وصف فيها ما لم يصفه أحدٌ قبله أولها
(ألم تر تغليس الربيع المبكر ... )
ووصف حرب المراكب في البحر لكان أشعر الناس في زمانه فكيف إذا أضيف إلى هذا صفاء مدحه ورقة تشيبهه. وكان كثيراً ما ينشد له ويعجب من جودته

الصفحة 63