كتاب ديوان المعاني (اسم الجزء: 2)

يحسنُ القراء فمضى فنظر ثم عاد فقال رأيتُ شيئاً كرأس المحجنُ متصلاً بحلقة صغيرة تتبعها ثلاث كأطباء الكلبة يفضي إلى هنةٍ كأنها قطاةٌ بلا منقار. ففهم هشام بالصفة أنها (خمسة) .
أخبرنا أبو أحمد عن الصولي عن أبي العباس الربعي عن الطلحي عن أحمد ابن إبراهيم قال دخل أعرابيٌّ إلى الرشيد فأنشده أرجوزةً وإسماعيل يكتب بين يديه كتاباً وكان أحسن الناس خطاً وأسرعهم يداً وخاطراً فقال الرشيد للأعرابي صف هذا الكاتب فقال ما رأيت أطيش من قلمه ولا أثبت من كلمه ثم قال ارتجالاً:
(رقيقُ حواشي الحلمِ حينَ تبورُهُ ... يريك الهوينا والأمورُ تطيرُ)
(له قلما بُؤسَى ونُعمى كلاهما ... سحابتهُ في الحالتينِ دَرُورُ)
(يناجيك عما في ضميركَ لحظهُ ... ويفتحُ بابَ الأمر وهو عسيرُ)
فقال الرشيد قد وجب لك يا أعرابي حق عليه هو يقضيك إياه وحق علينا فيه نحنُ نقومُ به، ادفعوا إليه دية الحر، فقال إسماعيل وله على عبدك دية لعبد. قوله
(رقيق حواشي الحلم)
ردئ لأن الحلمُ يوصفُ بالرزانة لا بالرقة، واستعمل أبو تمام هذا اللفظ فعيب به. وقوله
(يريك الهوينا والأمور تطير)
رويناه لمنصور النمري. وفاخر صاحبُ قلم صاحبَ سيف فقال صاحبُ القلم أنا أقتل بلا غرر وأنت تقتل على غرر. قال صاحبُ السيف القلمُ خادمُ السيف إن بلغ مراده والإفالي السيف معاده أما سمعتَ قول أبي تمام:
(السيفُ أصدقُ أنباءُ من الكتبِ ... في حدِّهِ الحدِ بين الجدِّ واللعبِ)
وأبي ذلك ابن الرومي فقال:
(كذا قضى الله للأقلام مُذْ بُريَتْ ... إنَّ السيوفَ لها مُذْ أُرهِفَتْ خدم)

الصفحة 77