كتاب ديوان المعاني (اسم الجزء: 2)

ما يوصف به المطر وهو عندهم الذي يجر الضب من وجارها فيخرجها من كثرة سيله. وقوله والحزون ومتلفعة بالغثاء يقول بلغ الماء رؤوس الحزون ثم نضب عنها فبقي الغثاء في موضعه. ومن الوصف الجيد التام في تكاثف المطر قول بعضهم: وقع مطر صغار وقطر كبار وكأن الصغار لحمة للكبار، جعل الهواء كالثوب المنسوج من كثرة المطر وتكائفه. ومن أجود ما قاله محدث في وصف السحاب والقطر والرعد والبرق ما أنشدناه أبو أحمد عن نفطويه للعتابي:
(أرقتُ للبرقِ يخفو ثُمَ يأتلقُ ... يخفيهِ طوراً ويبديهِ لنا الأفُقُ)
(كأنهُ غرةٌ شَهباء لائحةٌ ... في وجهِ دَهماءَ ما في جِلدها بلقُ)
(أو ثغرُ زنجية تفترُ ضاحكةً ... تبدو مشافرهُا طوراً وتنطبقُ)
(أوسلةُ البِيض في جأواءَ مظلمة ... وقد تلقت ظُباها البيضُ والدرق)
(والغيمُ كالثوبِ في الآفاقِ منتشرٌ ... من فوقهِ طبقٌ من تحتهِ طبق)
(تظنه مصمتاً لافتقَ فيه فان ... سالت عواليهِ قلتَ الثوب منفتق)
(إن مَعمعمَ الرعدُ فيهِ قلتَ ينخرق ... أو لألأ البرق فيهِ قلتَ يحترق)
(تستكُ من رعدهِ أذنُ السميع كما ... تعْشَى إذا نظرتْ من برقهِ الحدق)
(فالرعد صهصلقٌ والريحُ منخرق ... والبرق مؤتلقٌ والماء منبعقُ)
(قد حالَ فوقَ الربُى نورٌ له أرجٌ ... كأنهُ الوشيُ والديباجُ والسَرقَ)
(من صفرةٍ بينها حمراء قانية ... وأصفرٌ فاقعٌ أو أبيضٌ يَقق)
فاستحسنت هذه الطريقة فقلت:
(برقٌ يطرز ثوبَ الليل مؤتلق ... والماء من نارهِ يهمي فينبعقُ)
( ... توقدت في أديم الأرضِ حمرتهُ ... كأنها غرةٌ في الطرفِ أو بلق)
(ما امتدَ منها على أرجائه ذهبٌ ... إلا تحدر من حافاته ورق)

الصفحة 9