كتاب ديوان المعاني (اسم الجزء: 2)

وجعل يعظه ويعزيه من غير أن يذكر له المصيبة فقال المؤيد لا عهد لي من أمير المؤمنين بمثل هذا الكلام فما السبب فيه؟ قال مات ابنك قال عرفتُ ذلك قد يوم ولد. فعجب المأمون من فهمه وقال بمثل هذا قدمتك هذه العصابة وجعلتك قوام دينها ومفزعها فيما ينوبها. وقال بعض حب المال وتدالبلايا. وقال سقراط اللذةُ خناق من عسل. وقيل لجاوس توفي مانيدس فقال الويح لي قد ضاع مسنُ عقلي. وقيل له ما أحلى الأشياء قال الذي تشتهي. وقريب منه قول الأعرابي
(وقلة ما قرت به العين صالح)
وقال سقراط الحظ في إعطاء مالا ينبغي ومنع ما ينبغي سواء. ومثل ذلك قول طاهر بن الحسين: التبذير للمال ذمة كحب التقتير فاجتنب التقتير وإياك والتبذير. وقريب منه قول العربي وقد قيل له إن فيك إمساكا فقال لا أجمد في حق ولا أزور في باطل. ورأى بعضهم شاباً جاهلاً جالساً على حجر فقال هذا حجر على حجر ونحو هذا قول بعض المحدثين:
(ما أن يزالُ ببغدادٍ يزاحمنا ... على البراذينِ أمثالُ البراذين)
وقلتُ وقد رأيتُ غلاماً مليحاً طريراً يخدم لئيماً دميماً:
(إن كنتَ ترتادُ منظراً عجباً ... فانظر إلى البدر في يدِ القردِ)
(وانظر إلى الضب كيف يفترسُ الظبي ... على مرقدٍ من الوردِ)
(وذُمَ دهراً يفيضُ أنعمه ... على اللئيم المذممِ الوغدِ)
(وانظر إلى حمرة وأنته ... فوقَ مُتونِ السوابحِ الجردِ)
(فأسخنَ اللهُ عينهُ زمناً ... ماذا رأى في تجنبِ القصدِ)
وقال بعضُ اليونانيين للاسكندر أخلاقك تجعل العدو صديقاً وأحكامك تجعل الصديق عدواً ويشهد عدم مثلك فيما كان بعدم مثلك فيما يكون. وقال بعض حكمائهم لمتكبر: وددت أني مثلك في نفسك وأن أعدائي مثلك في الحقيقة. وقريب من هذا المعنى قول علي رضي الله عنه لبعض أعدائه وقد مدحهُ: أنا دون ما تظهر بلسانك وفوق

الصفحة 93