كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 2)

صفحة رقم 747
الشرع وبما حمى طوائف أهل الأرض به من الإهلاك بعامه ، فإنه نقل أن الله تعالى لم يهلك قوماً هلاكاً عاماً بعد إنزال التوراة ) وتفصيلاً لكل شيء ( من جملة ذلك الفصل المحتوي على الكلمات الحاوية لكل شيء يحتاج إليه من أمر الدين والدنيا ، كما أن القرآن تفصيل لكل شيء من الجوامع السبع التي حوتها أم القرآن الحاوية لمصالح الدارين ، وفي هذين الاحتمالين المقتضيين لكون ( ثم ) على حقيقتها من الترتيب والمهلة علم من أعلام النبوة ، وهو الاطلاع على أن العشر الآيات وتحريم ما حرم عليهم بالبغي في أوائل ما أوحي إلى موسى عليه السلام بعد إغراق فبعون وأن معظم التوراة أنزل بعد ذلك ، وهذا لا يعرفه إلا أحبارهم ) وهدى ) أي بياناً ) ورحمة ) أي إكراماً لمن يقبله ويعمل به ) لعلهم ) أي بني إسرائيل ) بلقاء ربهم ) أي الذي أخرجهم من مصر من العبودية والرق بقوته العظيمة وكلماته التامة ) يؤمنون ) أي ليكون حالهم بعد إنزال الكتاب - لما يرون من حسن شرائعه وفخامة كلامه وجلالة أمره - حال من يرجى أن يجدد الإيمان في كل وقت بلقاء ربه لقدرته على البعث الذي الإيمان به نهاية تصديق الأنبياء لأنه لا تستقل به العقول ، وإنما يثبت بالسمع مع تجويز العقل له ، فيعلموا أنه لا يشبهه شيء كما أن كلامه لا يشبهه كلام فلا يبغوا باتخاذ عجل غاية أمره خوار لا يفهم ومجمجة لا تفيد .
فلما بين أن إنزال الكتب رحمة منه لأن غايتها الدلالة على منزلها فتمتثل أوامره وتتقى مناهيه وزواجره ، بين أنه لم يخص تلك المم بذلك ، بل أنزل على هذه الأمة كتاباً ولم يرض لها كونه مثل تلك الكتب ، بل جعله أعظمها بركة وأبينها دلالة ، فقال : ( وهذا ) أي القرآن ) كتاب ) أي عظيم ) أنزلناه ) أي بعظمتنا إليكم بلسانكم حجة عليكم ) مبارك ) أي ثابت كل ما فيه من وعد ووعيد وخير وغيره ثباتاً لا تمكن إزالته مع اليمن والخير .
ولما كان هذا معناه : وكان داعياً إليه محبباً فيه ، سبب عنه قوله : ( فاتبعوه ) أي ليكون جميع أموركم ثابتة ميمونة ، ولما أمر باتباعه وكان الإنسان ربما تبعه في الظاهر ، أمر بإيقاع التقوى المصححة للباطن إيقاعاً عاماً ، ولذلك حذف الضمير فقال : ( واتقوا ) أي ومع ذلك فأوقعوا التقوى ، وهي إيجاد الوقاية من كل محذور ، فإن الخطر الشديد والسلامة على غير القياس ، فلا تزايلوا الخوف من منزله بجهدكم ، فإن ذلك أجدر أن يحملكم على تمام الاتباع وإخلاصه ) لعلكم ترحمون ) أي ليكون حالكم حال من يرجى له الإكرام بالعطايا الجسام ، والآيتان ناظرتان إلى قوله تعالى ) قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ( - إلى قوله - :
77 ( ) وهم على صلاتهم يحافظون ( ) 7
[ الأنعام : 92 ] ، ثم

الصفحة 747