كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 2)

صفحة رقم 749
ولما كان أسوأ السوء حقوق العذاب ، وكان حقوقه بعدم قبول التوبة ، فسره بقوله مهوناً له ومسهلاً بتجريد الفعل : ( هل ينظرون ) أي ما ينتظرون هؤلاء المكذبون أدنى انتظار وأقربه وأيسره ) إلا أن تأتيهم ) أي حال تكذيبهم ) ( الملائكة أي بالأمر الفيصل من عذابهم كما هي عادتها في إتيانها المكذبين ) أو يأتي ربك ) أي ظهور أمر المحسن إليك أتم ظهور بجميع الآيات التي تحملها العقول وذلك يوم الجزاء ) أو يأتي ( وأبهم تهويلاً للأمر وتعظيماً فقال : ( بعض آيات ربك ) أي أشراط الساعة التي يكون فيها ظهوره التام وإحسانه إليك الأعظم مثل دابة الأرض التي تميز الكافر من المؤمن وطلوع الشمس من مغربها المؤذن بإغلاق باب التوبة ؛ روى البخاري في التفسير وغيره عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا رآها الناس آمن من عليها ، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل ) ، ثم قرأ الآية .
ولما كان إتيان الملائكة - أي كلهم أمراً لا يحتمل العقول وصف عظمته ، ولا بشرى للمجرمين عند رؤيته ، فإنه لو وقع على صورتهم لتقطعت أوصالهم ولم يحتمله قوهم فقضي الأمر ثم لا ينظرون ، وأما تجلي الرب سبحانه وعز اسمه وجلت عظمته .
فالأمر أعظم من مقالة قائل إن رقق البلغاء أو إن فخموا
ترك ما يترتب عليه وقال : ( يوم يأتي ) أي يكشف ويظهر ) بعض آيات ربك ) أي المحسن إليك بالإتيان بذلك تصديقاً لك وترويعاً وتدميراً لمخالفيك ) لا ينفع نفساً ) أي كافرة ) إيمانها ) أي إذ ذاك ، ولا نفساً مؤمنة كسبها الخير إذ ذاك في إيمانها المتقدم على تلك الآية بالتوبة فما رواءها ، ولذلك بينه وبقوله واصفاً نفساً : ( لم تكن ) أي الكافرة ) آمنت ( ويسر الأمر ببعض زمان القبل ، ولم يكلف باستغراقه بالإيمان فقال : ( من قبل ) أي قبل مجيء الآية في زمن متصل بمجيئها .
ولما ذكر الكافرة ، أتبعها المؤمنة فقال عاطفاً على ( آمنت ) : ( أو ( لم تكن المؤمنة العاصية ) كسبت ) أي من قبل ) في إيمانها ) أي السابق على مجيء الآية ) خيراً ) أي توبة ، وبعبارة أخرى : نفساً كافرة إيمانها المجدد بعد مجيء الآية ، وهو معنى ) لم تكن آمنت من قبل ( أو نفساً مؤمنوة كسبها الخير بعد مجيء الآية ما لم تكن كسبت في إيمانها السابق على الآية خيراً ، والحاصل أنه لا يقبل عند ذلك إيمان كافر ولا توبة فاسق - كما قاله البغوي - لأن المقصود من التصديق والتوبة الإيمان بالغيب وقد فات بالآية الملجئة ، فيكون فاعل الفعل المقدر في ( كسبت ) محذوفاً ، والتقدير : لا ينفع نفساً لم تكن آمنت من قبل ، أو لم تكن كسبت في إيمانها خيراً إيمانها وكسبها ، فالإيمان راجع إلى من لم

الصفحة 749