كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 2)
صفحة رقم 750
يؤمن ، والكسب راجع إلى من لم يكسب ، وهو ظاهر ، والتهديد بعدم نفع الإيمان عند مجيء الآية أعظم دليل على ما ذكرته من التقدير ، والآية من الاحتباك : ذكر إيمانها أولاً دليل على حذف كسبها من الجملة الثانية ، وذكر جملتي آمنت وكسبت ثانياً دال على حذف كافرة ومؤمنة أولاً .
ولما كان هذا تهديداً - كما ترى - هائلاً ، أتبعه ما هو أشد منه للتنبيه على أن أهل الإيمان سالمون من ذلك بقوله : ( قل انتظروا ) أي بغاية جهدكم أيها المكذبون ) إنا منتظرون ( بجهدنا ، وستعلمون لمن تكون العاقبة .
ولما نهى عن اتباع السبل لأنها سبب التفرق عن الحق ، وكان قد كرر في هذه السورة نصب الحجج وإنارة الأدلة وإزاحة الشكوك ومحو آثار الشبه ، وأشرفت السورة على الانقضاء .
وكان من المعلوم قطعاً أن الحق - من حيث هو حق - شديد التأثير في إزهاق الباطل فكيف إذا كان كلام الملك الذي لا يخالف أمره ولا يخرج عن إرادته ؛ اشتد استشراف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى رؤية ذلك الأثر مع ما عنده من الحرص على إسلام قومه لما طبعه الله عليه من الشفقة على جميع الخلق عموماً وعليهم خصوصاً ، وإنما يكون ذلك الأثر بإيجاد هدايتهم ومحو غوايتهم ، فملا ختم سبحانه بهذين التهديدين العظيمين الدالين على غشاوتهم ، فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) مما كان رجاه من هدايتهم أمر كأنه كان قد حصل ، وذلك مورث للشفوق من الأسف على ما لا يدري قدره ولا يوصف خبره ، فثبته سبحانه وسلاه بقوله : ( إن الذين فرقوا ) أي بعد إبلاغك إياهم ) دينهم ) أي بتكذيبهم ببعض آيات الله وصدوفهم عنها وإيمانهم ببعضها ففارقوه ، لأن الكفر بعضه كفر بكله ، وأضيف الدين إليهم لشدة رغبتهم فيه ومقاتلتهم عليه ) وكانوا شيعاً ( كل فرقة تشايع وتشيع إمامها كالعرب الذين تحزبوا أحزاباً بالاستكثار من الأصنام ، فكان في كل قطر لهم معبود أو اثنان فأكثر ، وكأهل الكتاب الذين ابتدعوا في دينهم بدعاً أوصلتهم إلى تكفير بعضهم بعضاً وآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض ، وكالمجوس الذين مزقوا دينهم باعتقاد أن الإله اثنان : النور والظلمة ، وعبدوا اًنام والنجوم وجعلوا لكل نجم صنماً يتوسل به في زعمهم إليه ) لست منهم ) أي من حسابهم ولا من عقابهم ولا من خلق الهداية في قلوبهم ) في شيء ( وفي هذا غاية الحث على الاجتماع ونهاية التوعد على الافتراق .
ولما خفف عنه ( صلى الله عليه وسلم ) بتبرئته منهم ، أسند إلى نفسه المقدس ما يحق له في إحاطة علمه وقدرته ، فقال جواباً لمن يقول : فإلى من يكون أمرهم ؟ : ( إنما أمرهم ) أي في ذلك كله وفي كل ما يتعلق بهم مما لا يحصره حد ولا يحصيه عد ) إلى الله ) أي الملك