كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 2)

صفحة رقم 751
الذي لا أمر لأحد معه غيره ، فمن شاء هداه ومن شاء أعماه ، ومن شاء أهلكه ومن شاء أبقاه لأن له كمال العظمة .
ولما كان الحشر متراخياً عن ذلك كله في الرتبة وفي الزمان ، لا تبلغ كنه عظمته العقول ، نبه على ذلك بالتعبير بأداة التراخي والتنبيه بقوله : ( ثم ( بعد استيفاء ما ضرب لهم من الآجال ) ينبئهم ) أي تنبئة عظيمة جليلة مستقصاة بعد أن يحشرهم إليه داخرين ) بما كانوا ) أي جبلة وطبعاص ) يفعلون ) أي من تلك الأشياء القبيحة التي كان لهم إليها أتم داعية غير متوقفين في إصدارها على علم مع ادعاء التدين بها ، والآية - مع ما تقدم من مقتضياتها - تعليل لقوله ) ) ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ( ) [ الأنعام : 153 ] .
الأنعام : ( 160 - 162 ) من جاء بالحسنة. .. . .
) مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( ( )
ولما أخبر أن أمرهم ليس إلا إليه ، كان كأنه قيل : فماذا يفعل بهم حينئذ ؟ فأجيب بقوله : ( من جاء ( ولما أخبر أن أمرهم ليس إلا إليه ، كان كأنه قيل : فماذا يفعل بهم حينئذ ؟ فأجيب بقوله : ( من جاء ) أي منهم أو من غيرهم ) بالحسنة ) أي الكاملة بكونها على أساس الإيمان ) فله ( من الحسنات ) عشر أمثالها ( كرماً وإحساناً وجوداً ومتناناً ، يجازيه بذلك في الدنيا أو في الآخرة ، وهذا المحقق لكل أحد ويزداد البعض وضوحاً بحسب النيات ، وذكر العشر ، لأنه بمعنى الحسنة ، وهو مضاف إلى ضميرها .
ولما تضمن قوله ) ) وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ( ) [ الأنعام : 153 ] مع تعقيبه بقوله ) ) لا نكلف نفساً إلاّ وسعها ( ) [ الأنعام : 152 ] الإشارة إلى أن المساواة في الجزاء مما ينقطع دونه أعناق الخلق ، أخبر أن ذلك عليه هين لأن عمله شامل وقدرته كاملة بقوله : ( ومن جاء بالسيئة ) أي أيّ شيء كان من هذا الجنس ) فلا يجزى ) أي في الدارين ) إلا مثلها ( إذا جوزي ، ويعفو عن كثير .
ولما كانت المماثلة لا يلزم كونها من كل وجه وإن كانت ظاهرة في ذلك لا سيما في هذه العبارة ، صرح بما هو ظاهره لأنه أطيب للنفس وأسكن للروع فقال : ( وهم لا يظلمون ) أي بكونها مثلها في الوحدة وإن كانت أكبر أو من جنس أشد من جنسها ونحو ذلك ، بل المماثلة موجودة في الكم والكيف ، فلا ينقص أحد في ثواب ولا يزاد في عقاب .

الصفحة 751