كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 2)

صفحة رقم 755
لكم لطفاً منه بكم ) إلى ربكم ) أي الذي أحسن إليكم بكل نعمة ، لا إلى غيره ) مرجعكم ) أي بالحشر وإن عمرتم كثيراً أو بقيتم طويلاً ) فينبئكم ) أي يخبركم إخباراً جليلاً عظيماً مستوفى .
ولما كان قد تقدم أنهم فرقوا دينهم ، قال : ( بما كنتم ) أي جبلة وطبعاً ، ولذلك قدم الجار ليفيد الاهتمام به لقوة داعيتهم إليه من غير إكراه ولا ذهول ولا نسيان فقال : ( فيه تختلفون ) أي مع رسول وغيره ، ويدينكم على جميع ذلك بما تستحقونه ، وحالكم جدير بأن يعظم عقابكم لأنكم كفرتم نعمته ؛ قال أبو حيان : حكى النقاش أنه روي أن الكفار قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ارجع يا محمد إلى ديننا واعبد آلهتنا واترك ما أنت عليه ونحن نتكفل لك بكل ما تحتاج إليه في دنياك وآخرتكح ، فنزلت هذه الآية - انتهى .
ولما قدم أنه المحسن إلى كل شيء بالربوبية ، وختم بالتهديد بالحشر ، أتبعه التذكير بتخصيصهم بالإحسان ، فقال عاطفاً على ) وهو رب كل شيء ( مستعطفاً لهم إليه بالتذكير بنعمته : ( وهو ) أي لا غيره ) الذي جعلكم ) أي أيها الإنس ) خلائف الأرض ) أي تفعلون فهيا فعل الخليفة متمكنين من كل ما تريدونه ، ويجوز أن يراد بذلك العرب ، ويكون ظاهر الكلام أن المراد بالأرض ما هم فيه من جزيرة العرب ، وباطنه البشارة بإعلاء دينهم الإسلام على الدين كله وغلبتهم على أكثر أهل الأرض في هذه الأزمان وعلى جميع أهل الأرض في آخر الزمان ) ورفع بعضكم ( في مراقي العقل والعلم والدين المال والجاه والقوة الحسية والمعنوية ) فوق بعض درجات ) أي مع كونكم من نفس واحدة ، وربما كان الوضيع أعقل من الرفيع ولم ينفعه عقله فيدل ذلك دلالة واضحة على أن ذلك كله إنما هو فعل الواحد القهار ، لا بعجز ولا جهل ولا بخل ؛ ثم علل ذلك بقوله : ( ليبلوكم ) أي يفعل معكم فعل المختبر ليقيم الحجة عليكم وهو أعلم بكم منكم ) في ما آتاكم ( فينظر هل يرحم الجليل الحقير ويرضى الفقير بعطائه اليسير ، ويشكر القوي ويصبر الضعيف .
ولما ذكر علو بعضهم على بعض ، وكان من طبع الآدمي التبجر ، أتبعه التهديد للظالم والاستعطاف للتائب بما يشير - بما له سبحانه من علو الشأن وعظيم القدرة - إلى ضعف العالي منهم وعجزه عن عقاب السافل بمن يحول بينه وبينه من شفيع وناصر وبما يحتاج إليه من تمهيد الأسباب ، محذراً من البغي والعصيان فقال موجهاً الخطاب إلى أكمل الخلق تطييباً لقلبه إعلاماً بأنه رباه سبحانه أجمل تربية وأدبه أحسن تأديب : ( إن ربك ) أي المحسن إليك ) سريع الحساب ) أي لمن يريد عقابه ممن يكفر نعمته لكونه لا حائل بينه وبين من يريد عقابه ولا يحتاج إلى استحضار آلات العقاب ، بل كل ما يريد

الصفحة 755