كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 2)

وحجة هذا المذهب وقوع الأنس على الناس. فاشتقاقه من الأنس نقيض الوحشة: لأن بعضهم يأنس إلى بعض. وبه [1] أخذ بعض الشعراء في قوله:
وما سمّى الإنسان إلا لأنسه ... ولا القلب إلا أنه يتقلّب.
قال: وذهب الكسائىّ إلى أن «الناس» لغة مفردة، وهو اسم تامّ وألفه منقلبة عن واو، واستدلّ بقول العرب فى تحقيره نويس.
قال: ولو كان منقوصا من أناس لردّه التحقير إلى أصله، فقيل «أنيس» .
وقال بعض من وافق الكسائىّ في هذا القول: إنه مأخوذ من النّوس، مصدر ناس ينوس إذا تحرّك. ومنه قيل لملك من ملوك حمير ذو نواس: لضفيرتين كانتا تنوسان على عاتقه.
قال الفرّاء: والمذهب الأوّل أشبه، وهو مذهب المشيخة.
وقال أبو علىّ الفارسىّ: أصل الناس الأناس. فحذفت الهمزة التى هى فاء ويدلك على ذلك الإنس والأناسىّ. فأما قولهم في تحقيره نويس فإن الألف لما صارت ثانية وهى زائدة أشبهت ألف فاعل. يعنى أنها أشبهت بكونها ثانية وهى زائدة ألف «ضارب» فقيل نويس، كما قيل ضويرب.
وقال سلمة بن عاصم، وكان من أصحاب الفراء: الأشبه في القياس أن يكون كلّ واحد منهما أصلا بنفسه فأناس من الأنس، وناس من النوس لقولهم في تحقيره نويس كبويب في تحقير باب.
هذا ما قاله ابن الشجرىّ في أماليه.
__________
[1] لم نجد هذه الزيادة في أمالى ابن الشجرى الموجود منها نسخة مخطوطة «بدار الكتب المصرية» .

الصفحة 6