كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 2)

قَالَ: فَكَأَنِّي أَنظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكرٍ رِدفُهُ، وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَولَهُ حَتَّى أَلقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي حَيثُ أَدرَكَتهُ الصَّلاةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِالمَسجِدِ، قَالَ: فَأَرسَلَ إِلَى مَلأ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاؤوا، فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ! ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُم هَذَا، قَالُوا: لا وَاللَّهِ! لا نَطلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ عَز وجَل. قَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ، كَانَ فِيهِ نَخلٌ وَقُبُورُ المُشرِكِينَ وَخِرَبٌ. فَأَمَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: ثامنوني بحائطكم؛ أي: اطلبوا ثمنه، وبايعوني به. والحائط: بستان النخل.
فقالوا: لا والله ما نطلب ثمنه إلا لله - عزّ وجلّ -، وهذا ينص على أنهم لم يأخذوا منه ثمنًا، وإنما وهبوه للنبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد ذكر محمد بن سعد في تاريخه الكبير عن الواقدي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشتراه من بني عَفراء (¬1) بعشرة دنانير دفعها عنه أبو بكر الصديق (¬2)، فإن صحّ هذا فلم يقبله النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بالثمن؛ لأنه كان ليتيمين، وفي هذا دليل على لزوم بناء المساجد في القرى التي يُستوطن بها؛ لأجل الجمعة، ولإظهار شعائر الإسلام.
وقوله: وكانت فيه نخل وقبور المشركين وخِرَب، رُوي بفتح الخاء وكسر الراء: جمع خَرِبة؛ مثل: كَلِمَة وكَلِم، وبكسر الخاء وفتح الراء: جمع خِربة بسكون الراء، لغتان فيما يخرب من البناء، والثانية لتميم، هذا هو الصحيح في الرواية والمعنى. وقد فسَّره حيث قال: وبالخِرَب فسُوِّيت. وقد استبعد الخطابي ذلك المعنى، وأخذ يقدِّر اللفظ تقديرات، فقال: لعل الصواب: خُرَب: جمع خُربة؛ وهي الخروق في الأرض، أو لعلَّها: جرف جمع: جِرَفَةٍ، وهي جمع
¬__________
(¬1) في (م): عمرو. وفي وفاء الوفا (1/ 323): أنَّ الحائط كان ليتيمين هما سهل وسهيل ابني عمرو، وكانا في حجر ابن عفراء.
(¬2) الطبقات الكبرى لابن سعد (1/ 239 - 240).

الصفحة 121