كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 2)
قَالَ: فَصَفُّوا النَّخلَ قِبلَةً لَهُ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيهِ حِجَارَةً، قَالَ: فَكَانُوا يَرتَجِزُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَعَهُم، وَهُم يَقُولُونَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
واستخرجت منه قضيب الذهب الذي أعلمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مدفون معه. واتخاذ النبي - صلى الله عليه وسلم - مسجده في تلك البقعة دليل على أن القبور إذا لم يبق منها ولا من الموتى فيها بقية (¬1) جازت الصلاة فيها.
واختلف العلماء في جواز الصلاة في المقابر جملة؛ فأجازه مالك وأكثر أصحابه - وإن كان القبر بين يديه -، وهو مذهب الحسن البصري والشافعي وآخرين. وروي أيضا عن مالك الكراهة، وبه قال أحمد، وإسحاق، وجماعة من السلف. وحكى العراقيون عن المذهب: كراهية الصلاة في القديمة دون الجديدة. وقد كره العلماء الصلاة في مقابر المشركين بكل حال، وعليه تأوّل أكثرهم النهي عن الصلاة في المقبرة؛ قالوا: لأنها حفرة من حفر النار، وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى في الجنائز.
وفي بنائه - صلى الله عليه وسلم - مسجده بالجذوع والجريد دليل على ترك الزخرفة في المساجد والتأنق فيها، والإسراف. بل قد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - ما يقتضي النهي عن زخرفتها وتشييدها، فقال: ما أُمِرتُ بتشييد المساجد، قال: لتزخرفُنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى (¬2).
وقوله: فكانوا يرتجزون ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم؛ اختلف أصحاب العَروض وعلم الشعر في أعاريض الرَّجَز هل هي من الشعر؟ والصحيح أنه من الشعر؛ لأن الشعر هو كلام موزون تُلتَزَم فيه قوافٍ، والرَّجَزُ كذلك. وأيضًا: فإن قريشًا لما اجتمعوا وتراؤوا فيما يقولون للناس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال قائل: نقول: هو شاعر، فقالوا: والله لتكذبنّكم العربُ؛ قد عرفنا الشعر كلّه، هزجه، ورجزه، ومقبوضه، ومبسوطه، فذكروا الرجز من جملة أنواع الشعر، وإنما أخرجه من جنس الشعر من
¬__________
(¬1) ساقط من (ع).
(¬2) رواه البخاري تعليقًا (1/ 539)، وأبو داود (448).