كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 2)
وَالسَّلامُ كَمَا قَد عَلِمتُم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
خليلا، ولكن صاحبكم خليل الرحمن (¬1). وقد جاء أنه حبيب الرحمن - ذكره الترمذي (¬2)، فهو الخليل وهو الحبيب. وقد اختلف العلماء أيّهما أشرف؟ أَو هما سواء؟ واختلف هل يُدعى للنبي - صلى الله عليه وسلم - بغير الصلاة والسلام، فيقال مثلا: اللهم ارحم محمدًا أو اغفر لمحمد؟ أَو لا يقال ذلك؟ فذهب أبو عمر بن عبد البر إلى منع ذلك. وأجاز ذلك أبو محمد بن أبي زيد، والصحيح جوازه، فقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة. واختُلف: هل يُصلَّى على غير الأنبياء، فيقال: اللهم صلّ على فلان؟ فكره ذلك مالك؛ لأنه لم يكن مِن عمل مَن مضى، بل ذُكر عن مالك رواية شاذّة أنه لا يُصَلَّى على أحدٍ من الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه وسلم، وهي مُتَأَوَّلة عليه بأنا لم نُتَعبد بالصلاة على غيره من الأنبياء. وذهبت طائفة إلى جواز ذلك على المؤمنين؛ لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيكُم} وقوله عليه الصلاة والسلام: اللهم صلّ على آل أبي أَوفَى (¬3). وانفصل الفريق الآخر بأن هذا صدر من الله ورسوله، ولهما أن يقولا ما أرادا بخلاف غيرهما الذي هو محكوم عليه. والذي أراه ما صار إليه مالك؛ لقوله تعالى: {لا تَجعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَينَكُم كَدُعَاءِ بَعضِكُم بَعضًا} وينضاف إلى ذلك أن أهل البدع قد اتخذوا ذلك شعارًا في الدعاء لأئمتهم وأمرائهم، ولا يجوز التشبّه بأهل البدع، والله تعالى أعلم.
وقوله والسلام كما قد علمتم رويناه مبنيًا للفاعل وللمفعول، فالفاعل: هم العالمون، وللمفعول هم المُعَلَّمون من جهته - صلى الله عليه وسلم - بالتشهد وغيره، ويعني بذلك: قوله في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
¬__________
(¬1) رواه أحمد (1/ 377، 433)، ومسلم (2383)، والترمذي (3656)، وابن ماجه (93) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(¬2) رواه الترمذي (3616) بلفظ: "أَلَا وأنا حبيب الله" من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
(¬3) رواه أحمد (4/ 353 و 354)، والبخاري (1497)، ومسلم (1078)، وأبو داود (1590)، والنسائي (5/ 31)، وابن ماجه (1796) من حديث عبد الله بن أبي أوفى.