كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 2)
فَقَالَ: {استَغفِر لَهُم أَو لا تَستَغفِر لَهُم إِن تَستَغفِر لَهُم سَبعِينَ مَرَّةً} وَسَأَزِيدُ عَلَى سَبعِينَ. قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ! فَصَلَّى عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَنزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنهُم مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُم عَلَى قَبرِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مِنهُم مَاتَ أَبَدًا} ويظهر من هذا المساق أن عمر - رضي الله عنه - وقع له في خاطره أن الله نهاه عن الصلاة عليه قبل نزول الآية، ويكون هذا من قبيل الإلهام والتحديث (¬1) الذي شهد له به النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون فهم ذلك من سياق قوله تعالى: {استَغفِر لَهُم أَو لا تَستَغفِر لَهُم} وهذان التأويلان فيهما بُعد، والذي يظهر لي - والله تعالى أعلم - أن البخاري ذكر هذا الحديث من رواية ابن عباس وساقه سياقةً هي أتقن من هذه، وليس فيها هذا اللفظ، فقال عنه عن عمر: لما مات عبد الله بن أُبي ابن سلول دعي له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلّي عليه، فلما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال عمر: وثبتُ إليه فقلت: يا رسول الله، أتصلي على ابن أُبيّ وقد قال يوم كذا كذا وكذا؟ أعدِّد عليه. قال: فتبسّم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: أخِّر عني. فلما أكثرتُ عليه قال: إني خُيِّرت فاخترت، لو أنّي أعلم أنّي إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها. قال: فصلّى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرًا حتى نزلت الآيتان من براءة: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنهُم مَاتَ أَبَدًا. قال: فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬2). والله ورسوله أعلم.
قلت: وهذا مساق حسن وترتيب متقن، ليس فيه شيء من الإشكال المتقدّم، فهو الأولى.
وقوله صلى الله عليه وسلم سأزيد على السبعين وعد بالزيادة، وهو مخالف لما في
¬__________
(¬1) رواه البخاري (4671).
(¬2) رواه البخاري (4676)، ومسلم (24)، والنسائي (4/ 90 و 91) من حديث المسيب بن حزن رضي الله عنه.