كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 2)

غَيْرَهُ } وأما من السنة فاحتجوا بحديث ابن عباس المتفق على صحته وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها" وبهذا الحديث احتج داود في الفرق عنده بين الثيب والبكر في هذا المعنى فهذا مشهور ما احتج به الفريقان من السماع.
فأما قوله تعالى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} فليس فيه أكثر من نهي قرابة المرأة وعصبتها من أن يمنعوها النكاح وليس نهيهم عن العضل مما يفهم منه اشتراط إذنهم في صحة العقد لا حقيقة ولا مجازا أعني بوجه من وجوه أدلة الخطاب الظاهرة أو النص بل قد يمكن أن يفهم منه ضد هذا وهو أن الأولياء ليس لهم سبيل على من يلونهم وكذلك قوله تعالى: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} هو أن يكون خطابا لأولي الأمر من المسلمين أو لجميع المسلمين أحرى منه أن يكون خطابا للأولياء وبالجملة فهو متردد بين أن يكون خطابا للأولياء أو لأولي الأمر.
فمن احتج بهذه الآية فعليه البيان أنه أظهر في خطاب الأولياء منه في أولي الأمر فإن قيل إن هذا عام والعام يشمل ذوي الأمر والأولياء قيل إن هذا الخطاب إنما هو خطاب بالمنع والمنع بالشرع فيستوي فيه الأولياء وغيرهم وكون الولي مأمورا بالمنع بالشرع لا يوجب له ولاية خاصة في الإذن أصله الأجنبي ولو قلنا إنه خطاب للأولياء يوجب اشتراط إذنهم في صحة النكاح لكان مجملا لا يصح به عمل لأنه ليس فيه ذكر أصناف الأولياء ولا صفاتهم ولا مراتبهم والبيان لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة ولو كان في هذا كله شرع معروف لنقل تواترا أو قريبا من التواتر.
لأن هذا مما تعم به البلوى ومعلوم أنه كان في المدينة من لا ولي له.
ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يعقد أنكحتهم ولا ينصب لذلك من يعقدها وأيضا فإن المقصود من الآية ليس هو حكم الولاية وإنما المقصود منها تحريم نكاح المشركين والمشركات وهذا ظاهر والله أعلم.
وأما حديث عائشة فهو حديث مختلف في وجوب العمل به والأظهر أن ما لا يتفق على صحته أنه ليس يجب العمل به.
وأيضا فإن سلمنا صحة الحديث فليس فيه إلا اشتراط إذن الولي لمن لها ولي: أعني المولى عليها وإن سلمنا أنه عام في كل امرأة فليس فيه أن المرأة لا تعقد على

الصفحة 10