كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 2)

عدمت النفقة أو كانت في غير صون فإنها تزوج أيضا في هذه الأحوال الثلاثة: أعني في الغيبة البعيدة وفي الأسر والجهل بمكانه وكذلك إن اجتمع الأمران فإذا كانت صون تزوج وإن لم تدع إلى ذلك ولم يختلفوا فيما أحسب أنها لا تزوج في الغيبة القريبة المعلومة لمكان إمكان مخاطبته وليس يبعد بحسب النظر المصلحي الذي انبنى عليه هذا النظر أن يقال إن ضاق الوقت وخشي السلطان عليها الفساد زوجت وإن كان الموضع قريبا.
وإذا قلنا إنه تجوز ولاية الأبعد مع حضور الأقرب فإن جعلت امرأة أمرها إلى وليين فزوجها كل واحد منهما فإنه لا يخلو أن يكون تقدم أحدهما في العقد على الآخر أو يكونا عقدا معا ثم لا يخلو ذلك من أن يعلم المتقدم أو لا يعلم فأما إذا علم المتقدم منهما فأجمعوا على أنها للأول إذا لم يدخل بها واحد منهما واختلفوا إذا دخل الثاني فقال قوم هي للأول وقال قوم هي للثاني وهو قول مالك وابن القاسم وبالأول قال الشافعي وابن عبد الحكم وأما إن أنكحاها معا فلا خلاف في فسخ النكاح فيما أعرف.
وسبب الخلاف:
في اعتبار الدخول أولا اعتباره معارضة العموم للقياس وذلك أنه قد روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: " أيما امرأة أنكحها وليان فهي للأول منهما " فعموم هذا الحديث يقتضي أنها للأول دخل بها الثاني أو لم يدخل ومن اعتبر الدخول فتشبيها بفوات السلعة في البيع المكروه وهو ضعيف.
وأما إن لم يعلم الأول فإن الجمهور على الفسخ وقال مالك: يفسخ ما لم يدخل أحدهما وقال شريح: تخير فأيهما اختارت كان هو الزوج وهو شاذ وقد روي عن عمر بن عبد العزيز.
(الموضع الرابع: في عضل الأولياء) واتفقوا على أنه ليس للولي أن يعضل وليته إذا دعت إلى كفء وبصداق مثلها وأنها ترفع أمرها إلى السلطان فيزوجها ما عدا الأب فإنه اختلف فيه المذهب.
واختلفوا بعد هذا الاتفاق فيما هي الكفاءة المعتبرة في ذلك وهل صداق المثل منها أم لا؟ وكذلك اتفقوا على أن للمرأة أن تمنع نفسها من إنكاح من له من الأولياء جبرها إذا لم تكن فيها الكفاءة موجدة كالأب في ابنته البكر البالغ باتفاق والبالغ والثيب الصغيرة باختلاف على ما تقدم وكذلك الوصي في محجوره على القول بالجبر.

الصفحة 15