كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 2)

فأما الكفاءة فإنهم اتفقوا على أن الدين معتبر في ذلك إلا ما روي عن محمد بن الحسن من إسقاط اعتبار الدين ولم يختلف المذهب أن البكر إذا زوجها الأب من شارب الخمر وبالجملة من فاسق أن لها أن تمنع نفسها من النكاح وينظر الحاكم في ذلك فيفرق بينهما وكذلك إن زوجها ممن ماله حرام أو ممن هو كثير الحلف بالطلاق.
واختلفوا في النسب هل هو من الكفاءة أم لا؟ وفي الحرية وفي اليسار وفي الصحة من العيوب فالمشهور عن مالك أنه يجوز نكاح الموالي من العرب وأنه احتج لذلك بقوله تعالى: { إِِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } وقال سفيان الثوري وأحمد: لا تزوج العربية من مولى وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تزوج قرشية إلا من قرشي ولا عربية إلا من عربي.
والسبب في اختلافهم:
اختلافهم في مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: "تنكح المرأة لدينها وجمالها ومالها وحسبها فاظفر بذات الدين تربت يمينك " فمنهم من رأى أن الدين هو المعتبر فقط لقوله عليه الصلاة والسلام: "فعليك بذات الدين تربت يمينك" ومنهم من رأى أن الحسب في ذلك هو بمعنى الدين وكذلك المال وأنه لا يخرج من ذلك إلا ما أخرجه الإجماع.
وهو كون الحسن ليس من الكفاءة وكل من يقول برد النكاح من العيوب يجعل الصحة منها من الكفاءة وعلى هذا فيكون الحسن يعتبر لجهة ما ولم يختلف المذهب أيضا أن الفقر مما يوجب فسخ إنكاح الأب ابنته البكر أعني إذا كان فقيراً غير قادر على النفقة عليها فالمال عنده من الكفاءة ولم ير ذلك أبو حنيفة.
أما الحرية فلم يختلف المذهب أنها من الكفاءة لكون السنة الثابتة لتخيير الأمة إذا عتقت.
وأما مهر المثل فإن مالكا والشافعي يريان أنه ليس من الكفاءة وأن للأب أن ينكح ابنته بأقل من صداق المثل: أعني البكر وأن الثيب الرشيدة إذا رضيت به لم يكن للأولياء مقال وقال أبو حنيفة: مهر المثل من الكفاءة.
وسبب اختلافهم:
أما في الأب فلاختلافهم هل له أن يضع من صداق ابنته البكر شيئا أم لا؟. وأما في الثيب فلاختلافهم هل ترتفع عنها الولاية في مقدار الصداق إذا كانت رشيدة كما ترتفع في سائر تصرفاتها المالية أم ليس ترتفع الولاية عن مقدار الصداق إذ كانت لا ترتفع

الصفحة 16