كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 2)

فيكون مؤقتا وذلك أنه من جهة أنه يملك به على المرأة منافعها على الدوام يشبه العوض ومن جهة أنه لا يجوز التراضي على إسقاطه يشبه العبادة.
والسبب الثاني معارضة هذا القياس فالمقتضى التحديد لمفهوم الأثر الذي لا يقتضي التحديد.
أما القياس الذي يقتضي التحديد فهو كما قلنا إنه عبادة والعبادات مؤقتة.
وأما الأثر الذي يقتضي مفهومه عدم التحديد فحديث سهل بن سعد الساعدي المتفق على صحته وفيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل معك من شيء تصدقها إياه؟ فقال: ما عندي إلا إزاري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس شيئا فقال: لا أجد شيئا فقال عليه الصلاة والسلام: التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكحتكها بما معك من القرآن" قالوا فقوله عليه الصلاة والسلام: "التمس ولو خاتما من حديد" دليل على أنه لا قدر لأقله لأنه لو كان له قدر لبينه إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وهذا الاستدلال بين كما ترى مع أن القياس الذي اعتمده القائلون بالتحديد ليس تسلم مقدماته وذلك أنه انبنى على مقدمتين: إحداهما أن الصداق عبادة.
والثانية أن العبادة مؤقتة وفي كليهما نزاع للخصم وذلك أنه قد يلفى في الشرع من العبادات ما ليست مؤقتة بل الواجب فيها هو أقل ما ينطلق عليه الاسم.
وأيضا فإنه ليس فيه شبه العبادات خالصا وإنما صار المرجحون لهذا القياس على مفهوم الأثر لاحتمال أن يكون ذلك الأثر خاص بذلك الرجل لقوله فيه "قد أنكحتكها بما معك من القرآن " وهذا خلاف للأصول وإن كان قد جاء في بعض رواياته أنه قال " قم فعلمها " لما ذكر أنه معه من القرآن فقام فعلمها فجاء نكاحا بإجارة لكن لما التمسوا أصلا يقيسون عليه قدر

الصفحة 19