كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 2)

بل قد يكونون في بلد والقتل في بلد آخر ولذلك روى البخاري عن أبي قلابة أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس ثم أذن لهم فدخلوا عليه فقال ما تقولون في القسامة فأضب القوم وقالوا نقول إن القسامة القود بها حق قد أقاد بها الخلفاء فقال ما تقول يا أبا قلابة ونصبني للناس فقلت يا أمير المؤمنين عندك أشراف العرب ورؤساء الأجناد أرأيت لو أن خمسين رجلا شهدوا عندك على رجل أنه زنى بدمشق ولم يروه أكنت ترجمه قال لا.
قلت أفرأيت لو أن خمسين رجلا شهدوا عندك على رجل أنه سرق بحمص ولم يروه أكنت تقطعه قال لا.
وفي بعض الروايات قلت فما بالهم إذا شهدوا أنه قتله بأرض كذا وهم عندك أقدت بشهادتهم قال فكتب عمر بن عبد العزيز في القسامة إنهم إن أقاموا شاهدي عدل أن فلانا قتله فأقده ولا يقتل بشهادة الخمسين الذين أقسموا.
قالوا ومنها أن من الأصول أن الأيمان ليس لها تأثير في إشاطة الدماء.
ومنها أن من الأصول "أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر "ومن حجتهم أنهم لم يروا في تلك الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بالقسامة وإنما كانت حكما جاهليا فتلطف لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليريهم كيف لا يلزم الحكم بها على أصول الإسلام ولذلك قال لهم أتحلفون خمسين يمينا أعني لولاة الدم وهم الأنصار قالوا كيف نحلف ولم نشاهد قال فيحلف لكم اليهود قالوا كيف نقبل أيمان قوم كفار قالوا فلو كانت السنة أن يحلفوا وإن لم يشهدوا لقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هي السنة.
قال وإذا كانت هذه الآثار غير نص في القضاء بالقسامة.
والتأويل يتطرق إليها فصرفها بالتأويل إلى الأصول أولى.
وأما القائلون بها وبخاصة مالك فرأى أن سنة القسامة سنة منفردة بنفسها مخصصة للأصول كسائر السنن المخصصة وزعم أن العلة في ذلك حوطة الدماء وذلك أن القتل لما كان يكثر وكان يقل قيام الشهادة عليه لكون القاتل إنما يتحرى بالقتل مواضع الخلوات جعلت هذه السنة حفظا للدماء لكن هذه العلة تدخل عليه في قطاع الطريق والسراق وذلك أن السارق تعسر الشهادة عليه وكذلك قاطع الطريق فلهذا أجاز مالك شهادة المسلوبين على السالبين مع مخالفة ذلك للأصول وذلك أن المسلوبين مدعون على سلبهم. والله أعلم.

الصفحة 428