كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 2)

الفصل الثامن في مانع الكفر
واتفقوا على أنه لا يجوز للمسلم أن ينكح الوثنية لقوله تعالى: { وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } واختلفوا في نكاحها بالملك.
واتفقوا على أنه يجوز أن ينكح الكتابية الحرة إلا ما روي في ذلك عن ابن عمر.
واختلفوا في إحلال الكتابية الأمة بالنكاح واتفقوا على إحلالها بملك اليمين.
والسبب في اختلافهم:
في نكاح الوثنيات بملك اليمين معارضة عموم قوله تعالى: { وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } وعموم قوله تعالى :{ وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} لعموم قوله:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وهن المسبيات وظاهر هذا يقتضي العموم سواء كانت مشركة أو كتابية والجمهور على منعها.
وبالجواز قال طاوس ومجاهد ومن الحجة لهم ما روي من نكاح المسبيات في غزوة أوطاس إذ استأذنوه في العزل فأذن لهم.
وإنما صار الجمهور لجواز نكاح الكتابيات الأحرار بالعقد لأن الأصل بناء الخصوص على العموم: أعني أن قوله تعالى :{والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب} هو خصوص وقوله: { وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} هو عموم فاستثنى الجمهور الخصوص من العموم ومن ذهب إلى تحريم ذلك جعل العام ناسخا للخاص وهو مذهب بعض الفقهاء.
وإنما اختلفوا في إحلال الأمة الكتابية بالنكاح لمعارضة العموم في ذلك القياس وذلك أن قياسها على الحرة يقتضي إباحة تزويجها وباقي العموم إذا استثني منه الحرة يعارض ذلك لأنه يوجب تحريمها على قول من يرى أن العموم إذا خصص بقي الباقي على عمومه فمن خصص العموم الباقي بالقياس أو لم ير الباقي من العموم المخصوص عموما قال: يجوز نكاح الأمة الكتابية.
ومن رجح باقي العموم بعدم التخصيص على القياس قال: لا يجوز نكاح الأمة الكتابية وهنا أيضا سبب آخر لاختلافهم وهو معارضة دليل الخطاب للقياس وذلك أن قوله تعالى: {من فتياتكم المؤمنات } يوجب أن لا يجوز نكاح الأمة الغير مؤمنة بدليل الخطاب وقياسها على الحرة يوجب ذلك والقياس من

الصفحة 44