كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 2)

جميع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وأصحابهم متفقون على اشتراط الحرز في وجوب القطع وإن كان قد اختلفوا فيما هو حرز مما ليس بحرز.
والأشبه أن يقال في حد الحرز إنه ما شأنه أن تحفظ به الأموال كي يعسر أخذها مثل الأغلاق والحظائر وما أشبه ذلك وفي الفعل الذي إذا فعله السارق اتصف بالإخراج من الحرز على ما سنذكره بعد وممن ذهب إلى هذا مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري وأصحابهم وقال أهل الظاهر وطائفة من أهل الحديث القطع على من سرق النصاب وإن سرقه من غير حرز.
فعمدة الجمهور حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل فإذا أواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن" ومرسل مالك أيضا عن عبدالله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي بمعنى حديث عمرو بن شعيب.
وعمدة أهل الظاهر عموم قوله تعالى :{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } الآية.
قالوا فوجب أن تحمل الآية على عمومها إلا ما خصصته السنة الثابتة من ذلك.
وقد خصصت السنة الثابتة المقدار الذي يقطع فيه من الذي لا يقطع فيه.
وردوا حديث عمرو بن شعيب لموضع الاختلاف الواقع في أحاديث عمرو بن شعيب.
وقال أبو عمر بن عبد البر أحاديث عمرو بن شعيب العمل بها واجب إذا رواها الثقات.
وأما الحرز عند الذين أوجبوه فإنهم اتفقوا منه على أشياء واختلفوا في أشياء مثل اتفاقهم على أن باب البيت وغلقه حرز واختلافهم في الأوعية.
ومثل اتفاقهم على من سرق من بيت دار غير مشتركة السكنى أنه لا يقطع حتى يخرج من الدار واختلافهم في الدار المشتركة فقال مالك وكثير ممن اشترط الحرز تقطع يده إذا أخرج من البيت وقال
أبو يوسف ومحمد لا قطع عليه إلا إذا أخرج من الدار.
ومنها اختلافهم في القبر هل هو حرز حتى يجب القطع على النباش أو ليس بحرز فقال مالك والشافعي وأحمد وجماعة هو حرز وعلى النباش القطع وبه قال عمر بن عبد العزيز وقال أبو حنيفة لا قطع عليه وكذلك قال سفيان الثوري وروي ذلك عن زيد بن ثابت والحرز عند

الصفحة 449