كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 2)

عليه فلا يقتل من المحاربين إلا من قتل ولا يقطع إلا من أخذ المال ولا ينفي إلا من لم يأخذ المال ولا قتل.
وقال قوم بل الإمام مخير فيهم على الإطلاق وسواء قتل أو لم يقتل أخذ المال أو لم يأخذه.
وسبب الخلاف:
هل حرف "أو" في الآية للتخيير أو للتفصيل على حسب جناياتهم ومالك حمل البعض من المحاربين على التفصيل والبعض على التخيير.
واختلفوا في معنى قوله { أَوْ يُصَلَّبُوا} فقال قوم إنه يصلب حتى يموت جوعا وقال قوم بل معنى ذلك أنه يقتل ويصلب معا وهؤلاء منهم من قال يقتل أولا ثم يصلب وهو قول أشهب وقيل إنه يصلب حيا ثم يقتل في الخشبة وهو قول ابن القاسم وابن الماجشون ومن رأى أنه يقتل أولا ثم يصلب صلى عليه عنده قبل الصلب ومن رأى أنه يقتل في الخشبة فقال بعضهم لا يصلي عليه تنكيلا له وقيل يقف خلف الخشبة ويصلي عليه.
وقال سحنون إذا قتل في الخشبة أنزل منها وصلي عليه.
وهل يعاد إلى الخشبة بعد الصلاة فيه قولان عنه وذهب أبو حنيفة وأصحابه أنه لا يبقى على الخشبة أكثر من ثلاثة أيام.
وأما قوله {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ } من خلاف فمعناه أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ثم إن عاد قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى.
واختلف إذا لم تكن له اليمنى فقال ابن القاسم تقطع يده اليسرى ورجله اليمنى وقال أشهب تقطع يده اليسرى ورجله اليسرى.
واختلف أيضا في قول أو ينفوا من الأرض فقيل إن النفي هو السجن.
وقيل إن النفي هو أن ينفى من بلد إلى بلد فيسجن فيه إلى أن تظهر توبته وهو قول ابن القاسم عن مالك ويكون بين البلدين أقل ما تقصر فيه الصلاة والقولان عن مالك وبالأول قال أبو حنيفة وقال ابن الماجشون معنى النفي هو فرارهم من الإمام لإقامة الحد عليهم فأما أن ينفى بعد أن يقدر عليه فلا وقال الشافعي أما النفي فغير مقصود ولكن إن هربوا شردناهم في البلاد بالاتباع.
وقيل هي عقوبة مقصودة فقيل على هذا ينفي ويسجن دائما وكلها عن الشافعي وقيل معنى أو ينفوا أي من أرض الإسلام إلى أرض الحرب.
والذي يظهر هو أن النفي تغريبهم عن وطنهم لقوله تعالى :{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا

الصفحة 456