كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 2)

يزيد بن الأصم.
وروى مالك أيضا من حديث عثمان بن عفان مع هذا أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب" فمن رجح هذه الأحاديث على حديث ابن عباس قال: لا ينكح المحرم ولا ينكح ومن رجح حديث ابن عباس أو جمع بينه وبين حديث عثمان بن عفان بأن حمل النهي الوارد في ذلك على الكراهية قال ينكح وينكح وهذا راجع إلى تعارض الفعل والقول والوجه الجمع أو تغليب القول.
الفصل العاشر في مانع المرض
واختلفوا في نكاح المريض.
فقال أبو حنيفة والشافعي: يجوز وقال مالك في المشهو عنه: إنه لا يجوز ويتخرج ذلك من قوله إنه يفرق بينهما وإن صح, ويتخرج من قوله أيضا أنه لا يفرق بينهما أن التفريق مستحب غير واجب.
وسبب اختلافهم:
تردد النكاح بين البيع وبين الهبة وذلك أنه لا تجوز هبة المريض إلا من الثلث ويجوز بيعه ولاختلافهم أيضا سبب آخر وهو هل يتهم على إضرار الورثة بإدخال وارث زائد أو لا يتهم؟ وقياس النكاح على الهبة غير صحيح لأنهم اتفقوا على أن الهبة تجوز إذا حملها الثلث ولم يعتبروا بالنكاح هنا بالثلث ورد جواز النكاح بإدخال وارث قياس مصلحي لا يجوز عند أكثر الفقهاء وكونه يوجب مصالح لم يعتبرها الشرع إلا في جنس بعيد من الجنس الذي يرام فيه إثبات الحكم بالمصلحة حتى إن قوما رأوا القول بهذا القول شرع زائد وإعمال هذا القياس يوهن ما في الشرع من التوقيف وأنه لا تجوز الزيادة فيه كما لا يجوز النقصان والتوقف أيضا عن اعتبار المصالح تطرق للناس أن يتسرعوا لعدم السنن التي في ذلك الجنس إلى الظلم فلنفوض أمثال هذه المصالح إلى العلماء بحكمة الشرائع الفضلاء الذين لا يتهمون بالحكم بها وبخاصة إذا فهم من أهل ذلك الزمان أن في الاشتغال بظواهر الشرائع تطرقا إلى الظلم ووجه عمل الفاضل العالم في ذلك أن ينظر إلى شواهد الحال فإن دلت الدلائل على أنه قصد بالنكاح خيرا لا يمنع النكاح وإن دلت على أنه قصد الإضرار بورثته منع من ذلك كما في أشياء كثيرة من الصنائع يعرض فيها للصناع الشيء وضده

الصفحة 46