كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 2)

متفق أن الحكم يجب بالشاهدين من غير يمين المدعي إلا ابن أبي ليلى فإنه قال لا بد من يمينه.
واتفقوا على أنه تثبت الأموال بشاهد عدل ذكر وامرأتين لقوله تعالى :{ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}.
واختلفوا في قبولهما في الحدود فالذي عليه الجمهور أنه لا تقبل شهادة النساء في الحدود لا مع رجل ولا مفردات وقال أهل الظاهر تقبل إذا كان معهن رجل وكان النساء أكثر من واحدة في كل شيء على ظاهر الآية وقال أبو حنيفة تقبل في الأموال وفيما عدا الحدود من أحكام الأبدان مثل الطلاق والرجعة والنكاح والعتق ولا تقبل عند مالك في حكم من أحكام البدن.
واختلف أصحاب مالك في قبولهن في حقوق الأبدان المتعلقة بالمال مثل الوكالات والوصية التي لا تتعلق إلا بالمال فقط فقال مالك وابن القاسم وابن وهب يقبل فيه شاهد وامرأتان وقال أشهب وابن الماجشون لا يقبل فيه إلا رجلان.
وأما شهادة النساء مفردات أعني النساء دون الرجال فهي مقبولة عند الجمهور في حقوق الأبدان التي لا يطلع عليها الرجال غالبا مثل الولادة والاستهلال وعيوب النساء.
ولا خلاف في شيء من هذا إلا في الرضاع فإن أبا حنيفة قال لا تقبل فيه شهادتهن إلا مع الرجال لأنه عنده من حقوق الأبدان التي يطلع عليها الرجال والنساء.
والذين قالوا بجواز شهادتهن مفردات في هذا الجنس اختلفوا في العدد المشترط في ذلك منهن فقال مالك يكفي في ذلك امرأتان قيل مع انتشار الأمر وقيل إن لم ينتشر وقال الشافعي ليس يكفي في ذلك أقل من أربع.
لأن الله عز وجل قد جعل عديل الشاهد الواحد امرأتين واشترط الاثنينية وقال قوم لا يكفي بذلك بأقل من ثلاث وهو قول لا معنى له وأجاز أبو حنيفة شهادة المرأة فيما بين السرة والركبة وأحسب أن الظاهرية أو بعضهم لا يجيزون شهادة النساء مفردات في كل شيء كما يجيزون شهادتهن مع الرجال في كل شيء وهو الظاهر.
وأما شهادة المرأة الواحدة بالرضاع فإنهم أيضا اختلفوا فيها لقوله عليه الصلاة والسلام في المرأة الواحدة التي شهدت بالرضاع "كيف وقد أرضعتكما" وهذا ظاهره الإنكار ولذلك لم يختلف قول مالك في أنه مكروه.

الصفحة 465