الفصل الثاني
في الأيمان وأما الأيمان فإنهم اتفقوا على أنها تبطل بها الدعوى من المدعى عليه إذا لم تكن للمدعي بينة.
واختلفوا هل يثبت بها حق المدعي فقال مالك يثبت بها حق المدعي في إثبات ما أنكره المدعى عليه وإبطال ما ثبت عليه من الحقوق إذا ادعى الذي ثبت عليه إسقاطه في الموضع الذي يكون المدعي أقوى سببا وشبهة من المدعى عليه وقال غيره لا تثبت للمدعي باليمين دعوى سواء أكانت في إسقاط حق عن نفسه قد ثبت عليه أو إثبات حق أنكره فيه خصمه.
وسبب اختلافهم:
ترددهم في مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" هل ذلك عام في كل مدعى عليه ومدع أم إنما خص المدعي بالبينة والمدعى عليه باليمين لأن المدعي في الأكثر هو أضعف شبهة من المدعى عليه والمدعى عليه بخلافه فمن قال هذا الحكم عام في كل مدع ومدعى عليه ولم يرد بهذا العموم خصوصا قال لا يثبت باليمين حق ولا يسقط به حق ثبت ومن قال إنما خص المدعى عليه بهذا الحكم من جهة ما هو أقوى شبهة قال إذا اتفق أن يكون موضع تكون فيه شبهة المدعي أقوى يكون القول قوله واحتج هؤلاء بالمواضع التي اتفق الجمهور فيها على أن القول فيها قول المدعي مع يمينه مثل دعوى التلف في الوديعة وغير ذلك إن وجد شيء بهذه الصفة ولأولئك أن يقولوا الأصل ما ذكرنا إلا ما خصصه الاتفاق.
وكلهم مجمعون على أن اليمين التي تسقط الدعوى أو تثبتها هي اليمين بالله الذي لا إله إلا هو وأقاويل فقهاء الأمصار في صفتها متقاربة وهي عند مالك بالله الذي لا إله إلا هو لا يزيد عليها ويزيد الشافعي الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية.
وأما هل تغلظ بالمكان فإنهم اختلفوا في ذلك فذهب مالك إلى أنها تغلظ بالمكان وذلك في قدر مخصوص وكذلك الشافعي.
واختلفوا في القدر فقال مالك إن من ادعى عليه بثلاثة دراهم فصاعدا وجبت عليه اليمين في المسجد الجامع فإن كان مسجد النبي عليه الصلاة والسلام فلا خلاف أنه يحلف على المنبر وإن كان في غيره