كتاب بداية المجتهد - ط الحلبي (اسم الجزء: 2)

والأيمان التي ما التزم العبد منها لزمه على أي صفة كان ألزم الطلاق كيفما ألزمه المطلق نفسه وكأن الجمهور غلبوا حكم التغليظ في الطلاق سدا للذريعة ولكن تبطل بذاك الرخصة الشرعية والرفق المقصود في ذلك أعني في قوله تعالى :{ لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً }.
(المسألة الثانية) وأما اختلافهم في اعتبار نقص عدد الطلاق البائن بالرق فمنهم من قال المعتبر فيه الرجال فإذا كان الزوج عبدا كان طلاقه البائن الطلقة الثانية سواء كانت الزوجة حرة أو أمة وبهذا قال مالك والشافعي ومن الصحابة عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وابن عباس وإن كان اختلف عنده في ذلك لكن الأشهر عنه هو هذا القول.
ومنهم من قال إن الاعتبار في ذلك هو بالنساء فإذا كانت الزوجة أمة كان طلاقها البائن الطلقة الثانية سواء كان الزوج عبدا أو حرا.
وممن قال بهذا القول من الصحابة علي وابن مسعود ومن فقهاء الأمصار أبو حنيفة وغيره.
وفي المسألة قول أشذ من هذين وهو أن الطلاق يعتبر برق من رق منهما قال ذلك عثمان البتي وغيره وروي عن ابن عمر.
وسبب هذا الاختلاف:
هل المؤثر في هذا هو رق المرأة أو رق الرجل فمن قال التأثير في هذا لمن بيده الطلاق قال: يعتبر بالرجال ومن قال التأثير في هذا للذي يقع عليه الطلاق قال: هو حكم من أحكام المطلقة فشبهوها بالعدة.
وقد أجمعوا على أن العدة بالنساء: أي نقصانها تابع لرق النساء.
واحتج الفريق الأول بما روي عن ابن عباس مرفوعا إلى النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال " الطلاق بالرجال والعدة بالنساء " إلا أنه حديث لم يثبت في الصحاح.
وأما من اعتبر من رق منهما فإنه جعل سبب ذلك هو الرق مطلقا ولم يجعل سبب ذلك لا الذكورية ولا الأنوثية مع الرق.
(المسألة الثالثة) وأما كون الرق مؤثرا في نقصان عدد الطلاق فإنه حكى قوم أنه إجماع وأبو محمد بن حزم وجماعة من أهل الظاهر مخالفون فيه ويرون أن الحر والعبد في هذا سواء.
وسبب الخلاف:
معارضة الظاهر في هذا للقياس وذلك أن الجمهور صاروا إلى هذا المكان قياس طلاق العبد والأمة على حدودهما وقد أجمعوا على كون الرق مؤثرا في نقصان الحد.
أما أهل الظاهر فلما كان الأصل عندهم أن حكم العبد في التكاليف حكم الحر إلا

الصفحة 62