الباب الأول في أحكام الرجعة في الطلاق الرجعي
وأجمع المسلمون على أن الزوج يملك رجعة الزوجة في الطلاق الرجعي ما دامت في العدة من غير اعتبار رضاها لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} وأن من شرط هذا الطلاق تقدم المسيس له.
واتفقوا على أنها تكون بالقول والإشهاد.
واختلفوا هل الإشهاد شرط في صحتها أم ليس بشرط وكذلك اختلفوا هل تصح الرجعة بالوطء فأما الإشهاد فذهب مالك إلى أنه مستحب وذهب الشافعي إلى أنه واجب.
وسبب الخلاف:
معارضة القياس للظاهر وذلك أن ظاهر قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}.
يقتضي الوجوب وتشبيه هذا الحق بسائر الحقوق التي يقبضها الإنسان يقتضي أن لا يجب الإشهاد.
فكان الجمع بين القياس والآية حمل الآية على الندب.
وأما اختلافهم فيما تكون به الرجعة فإن قوما قالوا لا تكون الرجعة إلا بالقول فقط وبه قال الشافعي وقوم قالوا تكون رجعتها بالوطء.
وهؤلاء انقسموا قسمين فقال قوم لا تصح الرجعة بالوطء إلا إذا نوى بذلك الرجعة لأن الفعل عنده يتنزل منزلة القول مع النية وهو قول مالك.
وأما أبو حنيفة فأجاز الرجعة بالوطء إذا نوى بذلك الرجعة ودون النية.
فأما الشافعي فقاس الرجعة على النكاح وقال قد أمر الله بالإشهاد ولا يكون الإشهاد إلا على القول.
وأما سبب الاختلاف بين مالك وأبي حنيفة فإن أبا حنيفة يرى أن الرجعية محللة الوطء عنده قياسا على المولى منها وعلى المظاهرة ولأن الملك لم ينفصل عنده ولذلك كان التوارث بينهما وعند مالك أن وطء الرجعية حرام حتى يرتجعها فلا بد عنده من النية فهذا هو اختلافهم في شروط صحة الرجعة.
واختلفوا في مقدار ما يجوز للزوج أن يطلع عليه من المطلقة الرجعية ما دامت في العدة فقال مالك لا يخلو معها ولا يدخل عليها إلا بإذنها ولا ينظر إلى شعرها ولا بأس أن يأكل معها إذا كان معهما غيرهما.
وحكى ابن القاسم أنه رجع عن إباحة الأكل معها وقال أبو حنيفة لا بأس أن تتزين الرجعية لزوجها وتتطيب له وتتشوف وتبدي البنان والكحل وبه قال الثوري وأبو يوسف والأوزاعي وكلهم قالوا لا يدخل عليها إلا أن