كتاب شرح ألفية ابن مالك للشاطبي = المقاصد الشافية (اسم الجزء: 2)

ووجهٌ ثالث: أن يكون خَيّر/ بين المذهبين المذكورين، وكأنه يرى تقدير اسم الفاعل أولى، لتقديم ذكره، ويكون هذا الموضعُ نظير قوله في «أل» «أَلْ حَرْفُ تعريفٍ أَوٍ اللّامُ فَقَطْ»، فقدّم ما هو عنده الأولى. وهذا هو الذي ارتضى في التسهيل، واستدلّ عليه بما تقدّم وبغيره. لكن لا ينبغي أن يُحْمَلَ كلامُه هُنا عليه؛ لأَنه إذ ذاك من التقدير اللفظي. ولذلك استدلّ على تعيين اسم الفاعل بظهوره في بعض المواضع في جملة ما استدلّ به. وهذا لا يظهر هنا مع قوله: «ناوين مَعْنَى كائِنٍ» فجعل نِيَّتَه معنويةً لا لفظيةً، وإنما يمشي هذا الكلامُ على مَذْهبِ ابنِ السّراج كما تَقدّمَ.
فإن قيل: إنّ الناظم أَطلق القَوْلَ في جَعْلِ المجرور خبرًا، وقد علم أنه على وجهين تام وغير تام، فالتام ما يُفْهم بمجرد ذِكره وذِكْرِ معموله ما يتعلّق به، نحو ما تقدم من الأمثلة. وغير التام ما ليس كذلك، كما إذا قلت: زيد بك، وتريدُ: واثق بك، أو: ناهضٌ بك، وتقول: زيدٌ في المسجد، وأنت تريد: قائم أو عاكف أو قارئ. وكذلك الظرف أيضا أَطْلَق القولَ في جعله خبرًا وكان من حَقّه تقييدُه؛ إذ منه التامُّ وغير التامِّ، فالتامُّ نحو ما تقدم. وغير التام نحو: زيد عندك، إذا أردت أنه مأسور عندك. وتقول: زيد أمامك وأنت تريد: سائرٌ أمامك، أو آكل، أو نحو ذلك. فأمّا التام فهو الذي يقع خبرا للمبتدأ كما تقدم، وأما غير التامِّ فلا يقع خبرًا البتة، وإنما يكون الخبر غيره، فيؤتى به ضرورةً فتقول: زيدٌ واثق بك، وناهض بك وعاكف في المسجد، ومأسور عندك، وسائر أمامك.

الصفحة 14