كتاب شرح ألفية ابن مالك للشاطبي = المقاصد الشافية (اسم الجزء: 2)

مفيدًا في بعض المواضع دون بعض/ كما تقدم، وذلك على إحدى الطريقتين المذكورتين هنالك.
وبقي من النظر في هذه المسألةِ النظرُ في قوله:
ولا يَجُوزُ الابتدِا بالنكره ... ما لم يُفِدْ ... ... ...
إلى ماذا يرجع الضمير في «يُفِدْ»؟ وهو محتمل وجهين:
أحدهما: أن يعود إلى الابتداء، أي: ما لم يُفِد الابتداءُ بالنكرة. هذا هو الظاهر.
والثاني: أن يعود إلى غير مذكور، لكنه مفهوم من سياق الكلام، وهو الكلام المبتدأ فيه بالنكرة، كأنّه يقول: لا يجوزُ الإبتداءُ بالنكرة إِلا إذا أفاد الكلام بذلك.
والفرق بين الأول والثاني: أنّ الأول يعطى أن الفائدة تحصُل من جهة النكرة لأنها موصوفة أو عامة، أو على حالة تقوم في الابتداء بها مقام المعرفة، كما تبيّن. فالفائدة منسوبة للنكرة، لا لغيرها. وأما الثاني فلا تتقيّدُ الإفادة بذلك، بل المعنى أن الفائدة إذا حصلت من الكلام كانت بسبب تقييد المبتدأ، أو تقييد الخبر لا المبتدأ، فالابتداء بالنكرة جائزٌ. وبيهما فرقٌ في الحكم، لأنه قد يكون الابتداءُ بالنكرة جائزًا لا لمسوِّغٍ فيها نفسها، بل لمسوغ يعطيه الخبر، إذا قُيِّدَ بِقَيْدٍ، لو لم يُقَيّد به لم يحصل من الكلام فائدة، كقولك: «إنسانٌ صَبَر على الجوع عشرين يومًا، ثم سار أربعة بُرْدٍ في يومه، وفعل كذا، وتصرّف في كذا، وهو في سنّ الشيوخ». فهذا لم يُوجِبْ له الفائدةَ إلا تقييدُ الخبرِ لا تقييدُ المبتدأ.

الصفحة 52