كتاب تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس (اسم الجزء: 2)

تعالى* جوابه أما قصة عبادة بن الصامت فهى دعوى باطلة وكذب مختلق وما شكا معاوية عبادة ولا أشخصه عثمان والامر على خلاف ذلك فيما رواه الثقات من اتفاقهم ورجوع بعضهم الى بعض فى الحق ويشهد لذلك ما روى انّ معاوية لما غزا جزيرة قبرس كان معه عبادة بن الصامت فلما فتح الجزيرة وأخذوا غنائمها أخرج معاوية خمسها وبعثه الى عثمان وجلس يقسم الباقى بين جنده وجلس جماعة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ناحية منهم عبادة بن الصامت وأبو الدرداء وشدّاد بن أوس وواثلة بن الاسقع وأبو امامة الباهلى وعبد الله بن بشر المازنى فمرّ بهم رجلان يسوقان حمارين فقال لهما عبادة ما هذان الحماران فقالا انّ معاوية أعطاناهما من المغنم وانا نرجو أن نحج عليهما فقال لهما عبادة لا يحل لكما ذلك ولا لمعاوية أن يعطيكما فردّ الرجلان الحمارين على معاوية وسأل معاوية عبادة بن الصامت عن ذلك فقال عبادة شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة حنين والناس يكلمونه فى الغنائم فأخذو برة من بعير وقال مالى مما أفاء الله عليكم من الغنائم الا الخمس والخمس مردود عليكم فاتق الله يا معاوية واقسم الغنائم على وجهها ولا تعط أحدا منها اكثر من حقه فقال معاوية قد وليتك قسمة الغنائم ليس أحد بالشأم أفضل منك ولا أعلم فاقسمها بين أهلها واتق الله فيها فقسمها عبادة بين أهلها وأعانه أبو الدرداء وأبو امامة وما زالوا على ذلك الى آخر زمن عثمان فهذه قصة عبادة فى التزامه طاعة عثمان وطاعة عامله بالشأم بضدّ ما رووه قاتلهم الله* (العاشر) * هجره لعبد الله بن مسعود وذلك انه لما عزله عن الكوفة وأشخصه الى المدينة هجره أربع سنين الى أن مات مهجورا وسبب ذلك فيما زعموا انّ ابن مسعود لما عزله عثمان عن الكوفة وولى الوليد بن عقبة ورأى صنيع الوليد فى جوره وظلمه فعاب ذلك وجمع الناس بمسجد الكوفة وذكر لهم احداث عثمان ثم قال أيها الناس لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطنّ الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم وبلغه خبر نفى أبى ذر الى الربذة فقال فى خطبته بمحفل من أهل الكوفة هل سمعتم قول الله تعالى ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم وعرض بذلك لعثمان فكتب الوليد بذلك الى عثمان فأشخصه من الكوفة فلما دخل مسجد النبى صلى الله عليه وسلم أمر عثمان غلاما له أسود فدفع ابن مسعود وأخرجه من المسجد ورمى به الى الارض وأمر باحراق مصحفه وجعل منزله محبسه وحبس عنه عطاء أربع سنين الى أن مات وأوصى الزبير بأن لا يترك عثمان يصلى عليه وزعموا أن عثمان دخل على ابن مسعود يعوده وقال استغفر الله لى فقال اللهم انك عظيم العفو كثير التجاوز فلا تتجاوز عن عثمان حتى تقيد لى منه* جوابه اما ما رووه مما جرى على عبد الله بن مسعود من عثمان وأمره غلامه بضربه الى آخر ما قرّروه فكله بهتان واختلاق لا يصح منه شئ وهؤلاء الجهلة لا يتحامون الكذب فيما يروونه موافقا لا غراضهم اذ لا ديانة تردّهم لذلك ثم نقول على تقدير صحة ذلك من الغلام فيكون قد فعله من نفسه غضبا لمولاه فانّ ابن مسعود كان يجبه عثمان بالكلام ويلقاه بما يكرهه ولو صح ذلك عنه لكان محمولا على الادب فانّ منصب الخلافة لا يحتمل ذلك ويضع ذلك منه بين العامّة وليس هذا بأعظم من ضرب عمر سعد بن أبى وقاص بالدرة على رأسه حين لم يقم له وقال له انك لم تهب الخلافة فأردت أن تعرف انّ الخلافة لا تهابك ولم يغير ذلك سعد اولا رآه عيبا وكذلك ضربه لابىّ بن كعب حين رآه يمشى وخلفه قوم فعلاه بالدرّة وقال انّ هذا مذلة للتابع وفتنة للمتبوع ولم يطعن أبىّ بذلك على عمر بل رآه أدبا منه نفعه الله به ولم يزل دأب الخلفاء والامراء تأديب من رأوا منه الخلاف على أنه قد روى انّ عثمان اعتذر لابن مسعود وأتاه فى منزله حين بلغه مرضه وسأله أن يستغفر له وقال يا أبا عبد الرحمن هذا عطاؤك فخذه فقال له ابن مسعود وما أتيتنى به اذ كان ينفعنى

الصفحة 270