كتاب تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس (اسم الجزء: 2)

ففرشوا له بسطا ونثروا عليها الرياحين وهو يمشى عليها حتى بلغ ايليا ووفى بنذره فقال لدحية قومه لما بلغ قيصر اذا رأيته فاسجد له ثم لا ترفع رأسك أبدا حتى يأذن لك قال دحية لا أفعل هذا أبدا ولا أسجد لغير الله أبدا قالوا اذا لا يأخذ كتابك ولا يكتب جوابك قال وان لم يأخذه فقال له رجل منهم أدلك على أمر يأخذ فيه كتابك ولا يكلفك فيه السجود قال دحية وما هو قال ان له على كل عقبة منبرا يجلس عليه فضع صحيفتك تجاه المنبر فانّ أحدا لا يحركها حتى يأخذها هو ثم يدعو صاحبها فيأتيه قال أما هذا فسأفعل فعمد الى منبر من تلك المنابر التى يستريح عليها قيصر فألقى الصحيفة فدعا بها فاذا عنوانها كتاب العرب فدعا بالترجمان الذى يقرأ بالعربية فاذا فيه من محمد رسول الله الى قيصر صاحب الروم فغضب أخ لقيصر يقال له نباق فضرب فى صدر الترجمان ضربة شديدة ونزع الصحيفة من يده فقال له قيصر ما شأنك فقال تنظر فى كتاب رجل بدأ بنفسه قبلك وسماك قيصر صاحب الروم ما ذكر لك ملكا فقال له قيصر انك والله ما علمت أحمق صغيرا مجنون كبيرا تريدان تخرق كتاب رجل قبل ان أنظر فيه فلعمرى لئن كان رسول الله كما يقول لنفسه أحق أن يبدأ بها منى وان كان سمانى صاحب الروم لقد صدق ما أنا الا صاحبهم وما أملكهم ولكن الله عز وجل سخرهم لى ولو شاء لسلطهم علىّ كما سلط فارس على كسرى فقتلوه ثم فتح الصحيفة فاذا فيها* بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى قيصر صاحب الروم سلام على من اتبع الهدى* أما بعد* يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ فى آيات من كتاب الله يدعوه الى الله ويزهده فى ملكه ويرغبه فيما رغبه الله من الاخرة ويحذره بطش الله وبأسه كذا فى الاكتفاء* وفى الصحيح وكان ابن الناطور صاحب ايليا وهرقلة أسقفا على نصارى الشام يحدّث ان هرقل حين قدم ايليا أصبح يوما خبيث النفس مهموما فقال له بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك قال ابن الناطور وكان هرقل حزاء ينظر فى النجوم ماهرا فى الاحكام النجومية يستخرج أحكام الاجسام السفلية من آثار الاجرام العلوية عالما بسائر القواعد النجومية فقال لهم حين سألوه أجل انى رأيت الليلة حين نظرت فى النجوم أن ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الامة قالوا ما نعلم يختتن الا اليهود فلا يهمنك شأنهم وهم فى حكمك وسلطانك واكتب الى مدائن ملكك فليقتلوا من فيها من اليهود فتستريح من الهم فبينماهم على أمرهم اذ أتى هرقل رجل اسمه عدى بن حاتم وهو رسول عظيم بصرى برجل من العرب يقوده وهو دحية بن خليفة الكلبى فقال أيها الملك ان هذا من العرب يحدّث عن أمر عجيب قد حدث ببلاده فقال هرقل لترجمانه سله ما هذا الحدث الذى ببلاده فسأله فقال دحية خرج من بين أظهرنا رجل يزعم انه نبىّ فاتبعه اناس وخالفه آخرون فكانت بينهم ملاحم فتركتهم على ذلك فلما أخبره قال هرقل اذهبوا به فجردوه فانظروا أمختون هو أم لا فجرّدوه ونظروا اليه فاذا هو مختون فحدّثوه انه مختون وسألوه عن العرب فقال هم يختتنون فقال هرقل هذا والله الذى رأيته هذا ملك هذه الامة قد ظهر أعطوه ثوبه ثم دعا صاحب شرطته فقال له قلب لى الشام ظهر او بطنا حتى تأتينى برجل من قوم هذا الرجل يعنى النبىّ صلى الله عليه وسلم* قال أبو سفيان ان هرقل أرسل اليه فى ركب من قريش صاحب شرطته وكان أبو سفيان وأصحابه حينئذ تجارا بالشام بمدينة غزة فى المدّة التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هادن فيها أبا سفيان وكفار قريش اى فى زمان الهدنة فأتوهم بايليا وهو بيت المقدس وكان هرقل حينئذ فيه فدعاهم الى مجلسه وحوله عظماء الروم ودعا ترجمانه فقال أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذى يزعم انه نبىّ فقال أبو سفيان أنا أقربهم نسبا فقال ادنوه منى وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره

الصفحة 32