كتاب التعليق الممجد على موطأ محمد (اسم الجزء: 2)

بلُحْمانٍ فَلا نَدْرِي هَلْ سَمَّوْا (¬1) عَلَيْهَا أَمْ لا؟ قَالَ (¬2) فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمُّوا (¬3) اللَّهَ عَلَيْهَا، ثُمَّ كُلُوهَا.
¬__________
(¬1) أي عند الذبح.
(¬2) الضمير إلى عروة.
(¬3) أي عند الأكل. قوله: سَمُّوا الله عليها، قال الطِّيبي في "حواشي المشكاة": هذا من أسلوب الحكيم كأنه قيل لهم لا تهتموا بذلك، ولا تسألوا عنه والذي يهمكم الآن أن تذكروا اسم الله عليه. انتهى. وقال القسطلاني: ليس المراد منه أنّ تسميتهم على الأكل قائمة مقام التسمية عند الذبح، بل طلب التسمية التي لم تفت وهي التسمية على الأكل. انتهى. واستَدلّ بهذا الحديث من ذهب إلى أن التسمية عند الذبح ليس بشرط للحلّ (قال الحافظ: اختلفوا في كونها شرطاً في حل الأكل فذهب الشافعي وطائفة وهي رواية عن مالك وأحمد: أنها سنّة فمن تركها عمداً أو سهواً لم يقدح في حِلّ الأكل، وذهب أحمد في الراجح عنه وأبو ثور وطائفة: إلى أنها واجبة لجعلها شرطاً في حديث عدي، وذهب أبو حنيفة والثوري ومالك وجماهير العلماء إلى الجواز لمن تركها ساهياً لاعمداً، لكن اختلف عن المالكية هل تحرم أو تكره؟ وعند الحنفية تحرم، وعند الشافعية في العمد ثلاثة أوجه، أصحها يكره الأكل. انظر فتح الباري 9/601) حتى لو ترك التسمية عامداً حلّ، فإنه لو كانت التسمية شرطاً لما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالأكل عند الشك فيها، وأجاب عنه العيني وغيره من أصحابنا أن هذا الحديث دليل لنا، فإنهم لما سألوا عن حالة اللحم الذي شكّ في التسمية فيه علم أنه كان من المعروف عندهم اشتراط التسمية وإلا لما سألوه، وإنما أمرهم بالأكل إشعاراً بأن الظاهر من حال الذابح المسلم أن لا يدع التسمية، فكأنه قال: إنكم لستم بمأمورين لحصول التيقن والتجسس لإِيراثه إلى الوسوسة والحرج، فسَمُّوا الله عند الأكل، وكلوا ولا تُلْقُوا أنفسكم في الشك والوسوسة.

الصفحة 653