كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 2)

فإِن قيل: هذاكله ردٌّ على الأَئمة الذي اعْتَمَدُوا عَلَى الأَحاديث الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ دَرَجَةَ الصَّحِيحِ، فإِنهم كَمَا نَصُّوا عَلَى اشْتِرَاطِ صِحَّةِ الإِسناد، كَذَلِكَ نَصُّوا أَيضاً (¬1) عَلَى أَن أَحاديث التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لَا يُشْتَرَطُ فِي نَقْلِهَا لِلِاعْتِمَادِ عليها (¬2) صحةُ الإِسناد، بل إِن كان كذلك (¬3) فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وإِلا فَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ نقلها واستند إِليها، فقد فعله الأَئمة كمالك فِي "الْمُوَطَّأِ"، وَابْنِ الْمُبَارَكِ فِي "رَقَائِقِهِ" (¬4)، وأَحمد بْنِ حَنْبَلٍ فِي "رَقَائِقِهِ" وَسُفْيَانَ (¬5) فِي "جَامِعِ الْخَيْرِ"، وَغَيْرِهِمْ.
فَكُلُّ مَا فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ رَاجِعٌ إِلى التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وإِذا جَازَ اعْتِمَادُ مِثْلِهِ، جَازَ فِيمَا كَانَ نَحْوَهُ مما يرجع إِليه؛ كصلاة الرغائب (¬6)،
¬_________
(¬1) في (خ): "كذلك أيضاً نصوا أيضاً".
(¬2) قوله: "عليها" سقط من (خ) و (م).
(¬3) في (خ) و (م): "ذلك".
(¬4) يعني كتابي "الزهد" لابن المبارك وأحمد بن حنبل.
(¬5) أي: الثوري.
(¬6) حديث صلاة الرغائب: أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" (2/ 436 ـ 438 رقم 1008) من طريق علي بن عبد الله بن جهضم الصوفي، عن علي بن محمد بن سعيد البصري؛ قال: حدثنا أبي؛ قال: حدثنا خلف بن عبد الله ـ وهو الصغاني ـ، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: "رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي ... "، وهو حديث طويل، وموضع الشاهد منه قوله: "ولكن لا تغفلوا عن أول ليلة جمعة في رجب، فإنها ليلة تسميها الملائكة: الرغائب، وذلك أنه إذا مضى ثلث الليل لا يبقى ملك في جميع السموات والأرض إلا ويجتمعون في الكعبة وحواليها، ويطلع الله عز وجل عليهم اطلاعة، فيقول: ملائكتي! سلوني ما شئتم، فيقولون: يا ربنا! حاجتنا إليك أن تغفر لصُوّام رجب، فيقول الله عز وجل: قد فعلت ذلك". ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "وما من أحد يصوم يوم الخميس أول خميس في رجب، ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة ـ يعني ليلة الجمعة ـ اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *} ثلاث مرات، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *} اثنتي عشرة مرة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة ... " إلخ.
قال ابن الجوزي عقب إخراجه: "وهذا حديث موضوع على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد اتهموا به ابن جهضم ونسبوه إلى الكذب، وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول: رجاله مجهولون، وقد فتشت عليهم جميع الكتب، فما وجدتهم ... " إلخ ما قال.=

الصفحة 18