كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 2)

كالرَّهْبَانيَّة المنْفِيَّة عَنِ الإِسلام (¬1)، والخِصَاء لِمَنْ خَشِيَ العَنَت (¬2)، والتعبُّد بِالْقِيَامِ فِي الشَّمس (¬3)، أَو بالصَّمْتِ مِنْ غَيْرِ كَلَامِ أَحد (¬4)، فَالتَّرْغِيبُ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يَصِحُّ؛ إِذ لَا يُوجَدُ فِي الشَّرْعِ، وَلَا أَصل لَهُ يُرَغَّب فِي مِثْلِهِ، أَو يحذَّر من مخالفته.
¬_________
(¬1) قوله: كالرهبانية المنفية عن الإسلام: يدل عليها قوله تعالى في الآية (27) من سورة الحديد: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}. وسيأتي تخريجه بلفظ: "لا رهبانية في الإسلام" (ص212) من هذا المجلد.
وأخرج أبو داود في "سننه" (4868)، وأبو يعلى في "مسنده" (3694) من طريق عبد الله بن وهب، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء؛ أن سهل بن أبي أمامة حدثه: أنه دخل هو وأبوه على أنس بن مالك بالمدينة، فقال أنس: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: "لا تشددوا على أنفسكم فيشدَّد عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات، {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}.
وسنده ضعيف؛ تفرد به سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء، ولم أجد مَنْ وثقه، سوى أن ابن حبان ذكره في "ثقاته" (6/ 354)، ولذلك قال الحافظ في "التقريب" (2366): "مقبول" والحديث ضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف الجامع" (6232) وانظر ما سيأتي (ص201 ـ 202).
(¬2) أخرج البخاري في صحيحه (8/ 276 رقم 4615) كتاب التفسير، باب لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم.
من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نغزو مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وليس معنا نساء، فقلنا: ألا نختصي؛ فنهانا عن ذلك، فرخص لنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب، ثم قرأ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}. [المائدة: 87].
(¬3) أخرج البخاري في "صحيحه" (6704) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: بينا النبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب؛ إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "مره فليتكلم، وليستظل، وليقعد وليتمّ صومه".
قال ابن خزيمة في صحيحه (3/ 352) بعد أن أشار إلى الحديث: "فأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالوفاء بالصوم الذي هو طاعة، وترك القيام في الشمس، وإن كان القيام في الشمس ليس بمعصية، إلا أن يكون فيه تعذيب، فيكون حينئذٍ معصية".
(¬4) أخرج البخاري في "صحيحه" (3834) من حديث قيس بن أبي حازم؛ قال: دخل أبو بكر على امرأة من أحْمَسَ يقال لها: زينب، فرآها لا تكلَّم، فقال: ما لها لا تكلم؟ قالوا: حجَّت مُصْمِتَةً، قال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحلّ، هذا من عمل الجاهلية، فتكلمت ... ، الحديث.

الصفحة 28