كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 2)
وسيأْتي. وَالْجَمِيعُ دَاخِلُونَ تَحْتَ ذَمِّهَا.
وَرُبَّمَا احْتَجَّ طائفة من نابغة الْمُبْتَدَعَةِ عَلَى رَدِّ الأَحاديث بأَنها إِنما تُفِيدُ الظَّنَّ (¬1)، وَقَدْ ذُمّ الظنُّ فِي الْقُرْآنِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ} (¬2)، وَقَالَ: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (¬3)، وَمَا جاءَ فِي مَعْنَاهُ، حَتَّى أَحَلُّوا أَشياءَ مِمَّا حَرَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ تَحْرِيمُهَا فِي القرآن نصاً، وإنما قصدوا بذلك (¬4) أَنْ يَثْبُتَ لَهُمْ مِنْ أَنظار عُقُولِهِمْ مَا استحسنوا.
والظن المراد في الآيات (¬5) وَفِي الْحَدِيثِ (¬6) أَيْضًا غَيْرُ مَا زَعَمُوا، وَقَدْ وجدنا له (¬7) محامل (¬8) ثلاثة:
أحدها: أنه (¬9) الظَّنُّ فِي أُصول الدِّينِ، فَإِنَّهُ لَا يُغْنِي عِنْدَ الْعُلَمَاءِ؛ لِاحْتِمَالِهِ النَّقِيضَ عِنْدَ الظَّانِّ، بِخِلَافِ الظَّنِّ فِي الْفُرُوعِ فَإِنَّهُ مَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَ أهل الشريعة للدليل الدالّ على إعماله، فكأنّ الظن مذموم (¬10)، إِلَّا مَا تَعَلَّقَ بِالْفُرُوعِ مِنْهُ (¬11)، وَهَذَا صَحِيحٌ ذكره العلماءُ في الْمَوْضِعِ (¬12).
وَالثَّانِي: أَنَّ الظَّنَّ هُنَا هُوَ تَرْجِيحُ أَحَدِ النَّقِيضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ مرجِّح، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَذْمُومٌ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مِنَ التحكُّم، وَلِذَلِكَ أُتْبِعَ فِي الْآيَةِ بِهَوَى النَّفْسِ فِي قَوْلِهِ: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ}، فَكَأَنَّهُمْ مَالُوا إِلَى أَمْرٍ بِمُجَرَّدِ (¬13) الْغَرَضِ وَالْهَوَى، لَا بِاتِّبَاعِ الْهُدَى الْمُنَبِّهِ
¬_________
(¬1) في (غ) و (ر): "ظنا".
(¬2) سورة النجم: الآية (23).
(¬3) سورة النجم: الآية (28).
(¬4) في (خ): "من ذلك".
(¬5) في (خ) و (م): "الآية".
(¬6) يعني حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إيّاكم والظن! فإن الظن أكذب الحديث .... " إلخ. أخرجه البخاري في "صحيحه" (5143 و6064 و6066 و6724)، ومسلم (2563).
(¬7) قوله: "له" ليس في (غ) و (ر).
(¬8) في (خ) و (م) "محال".
(¬9) قوله: "أنه" ليس في (خ) و (م).
(¬10) في (خ): "مذموماً".
(¬11) في (خ): "منه بالفروع".
(¬12) علق رشيد رضا هنا بقوله: كذا! ولعل الأصل: "في هذا الموضع".
(¬13) في (ر) و (غ): "مجرد".
الصفحة 43