كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 2)
عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (¬1)، وَلِذَلِكَ أَثْبَتَ ذَمَّهُ (¬2)، بِخِلَافِ الظَّنِّ الَّذِي أَثَارَهُ دَلِيلٌ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَذْمُومٍ فِي الْجُمْلَةِ؛ لأَنه خَارِجٌ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى، وَلِذَلِكَ أُثبت وعُمل بِمُقْتَضَاهُ حَيْثُ يَلِيقُ الْعَمَلُ بِمِثْلِهِ؛ كَالْفُرُوعِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الظَّنَّ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
1 ـ ظَنٌّ يَسْتَنِدُ إِلَى أَصْلٍ قَطْعِيٍّ، وَهَذِهِ (¬3) هِيَ الظُّنُونُ الْمَعْمُولُ بِهَا في الشريعة أينما وقعت؛ لأنها إذا (¬4) اسْتَنَدَتْ إِلَى أَصل مَعْلُومٍ، فَهِيَ مِنْ قَبِيلِ المعلوم، ومن جِنْسُهُ (¬5).
2 ـ وَظَنٌّ لَا يَسْتَنِدُ إِلَى قَطْعِيٍّ، بَلْ إِمَّا مُسْتَنِدٌ إِلَى غَيْرِ شيءٍ (¬6) أَصْلًا، وَهُوَ مَذْمُومٌ ـ كَمَا تَقَدَّمَ ـ، وَإِمَّا مُسْتَنِدٌ إِلَى ظَنٍّ مثله، فذلك الظَّنُّ إِنِ اسْتَنَدَ أَيضاً إِلَى قَطْعِيٍّ، فكالأَول، أَو إِلى ظَنِيٍّ (¬7)، رَجَعْنَا إِلَيْهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَنِدَ إِلَى قَطْعِيٍّ، وَهُوَ مَحْمُودٌ، أَو إِلى غَيْرِ شيءٍ، وَهُوَ مَذْمُومٌ.
فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ: كُلُّ خَبَرِ واحدٍ صَحَّ سَنَدُهُ، فَلَا بُدَّ مِنَ اسْتِنَادِهِ إِلَى أَصل فِي الشَّرِيعَةِ قَطْعِيٍّ، فَيَجِبُ قَبُولُهُ، وَمِنْ هُنَا قَبِلْنَاهُ مُطْلَقًا (¬8)، كَمَا أَنَّ ظُنُونَ الْكُفَّارِ غَيْرُ مُسْتَنِدَةٍ إِلَى شيءٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّهَا وَعَدَمِ اعْتِبَارِهَا، وَهَذَا الْجَوَابُ الأَخير مُسْتَمَدٌّ مَنْ أَصلٍ وَقَعَ بَسْطُهُ فِي كِتَابِ "الْمُوَافَقَاتِ" (¬9) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
وَلَقَدْ بالغ بعض الغالين (¬10) فِي رَدِّ الْأَحَادِيثِ، وَرَدِّ قَوْلِ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى مَا فِيهَا (¬11)، حَتَّى عَدُّوا الْقَوْلَ بِهِ مُخَالِفًا لِلْعَقْلِ، وَالْقَائِلَ بِهِ مَعْدُودًا (¬12) فِي الْمَجَانِينِ.
¬_________
(¬1) من قوله: "لا باتباع الهدى" إلى هنا سقط من (خ).
(¬2) قوله: "ولذلك أثبت ذمه" ليس في (غ) و (ر)، وقوله: "ذمه" ليس في (م).
(¬3) في (م): "وهذا".
(¬4) قوله: "إذا" ليس في (خ) و (م).
(¬5) في (خ): "وجنسه".
(¬6) في (غ) و (ر): "إما غير مستند إلى شيء".
(¬7) في (م): "ظن".
(¬8) مقولة المصنف هنا سرت إليه بسبب تأثره بالأشاعرة وعلم الكلام، وسيأتي له مقولة شبيهة بها (ص238)، فانظر تعليقي عليها هناك إن شئت.
(¬9) انظر: "الموافقات" (3/ 184 وما بعدها).
(¬10) في (غ): "القائلين" وفي (خ) و (م): "الضالين".
(¬11) في (م): "من فيها".
(¬12) في (خ) و (م): "معدود".
الصفحة 44