كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 2)

فَصْلٌ
وَمِنْهَا تَخَرُّصُهُم عَلَى الْكَلَامِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الْعَرَبِيَّيْنِ، مَعَ العرْوِ (¬1) عَنْ عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ الذي به يفهم (¬2) عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَيَفْتَاتُونَ عَلَى الشَّرِيعَةِ بِمَا فَهِمُوا، وَيَدِينُونَ بِهِ، وَيُخَالِفُونَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ، وإنما دخلوا في ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ تَحْسِينِ الظَّنِّ بأَنفسهم، وَاعْتِقَادِهِمْ أَنهم مِنْ أَهل الِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، وَلَيْسُوا كَذَلِكَ، كَمَا حُكي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنه سُئِلَ عَنْ قول الله تعالى: {رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} (¬3)، فَقَالَ: هُوَ هَذَا الصَّرْصَرُ؛ يَعْنِي صَرَّار اللَّيْلِ (¬4)، وَعَنِ النَّظَّام أَنه كَانَ يَقُولُ: إِذَا آلَى المرءُ (¬5) بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ مُوْلِياً. قَالَ: لأَن الإِيلاء مُشْتَقٌّ مِنَ اسْمِ اللَّهِ (¬6).
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (¬7): إنه أُتْخِمَ من أكل الشَّجْرَةِ (¬8)، يَذْهَبُونَ إِلَى قَوْلِ الْعَرَبِ: "غَوِيَ الْفَصِيلُ": إِذَا أَكْثَرَ مِنَ اللَّبَنِ حَتَّى بَشِمَ (¬9)، وَلَا يُقَالُ فِيهِ غَوَى وَإِنَّمَا غَوَى مِنَ الغَيّ (¬10).
¬_________
(¬1) في (غ): "العدول".
(¬2) في (خ): "يفهم به".
(¬3) سورة آل عمران: الآية (117).
(¬4) ذكر هذه الرواية ابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث" (ص12) نقلاً عن الطاعنين على أصحاب الحديث.
(¬5) قوله: "المرء" ليس في (غ) و (م) و (ر).
(¬6) ذكر قول النظام هذا ابن قتيبة في المرجع السابق (ص22).
(¬7) سورة طه: الآية (121).
(¬8) في (خ): "لكثرة أكله من الشجرة"، وفي (م): "أتخم من الشجرة".
(¬9) في (غ) و (ر): "يبشم". وقد حكى هذا القول ابن قتيبة أيضاً (ص73).
(¬10) علق رشيد رضا هنا بقوله: يعني أن مصدر: "غوى الرجل": الغي، ومثله الغواية،=

الصفحة 47