كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 2)

وفي قوله سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} (¬1): أَيْ أَلقينا فِيهَا، كأَنه عِنْدَهُمْ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: "ذَرَّتُهُ الرِّيحُ" وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لأَنَّ (¬2) ذرأْنا مهموز، وذرته غير مهموز، وكذلك لا يكون (¬3) من "أَذْرَتْهُ الدابة عن ظهرها"؛ لعدم الهمز (¬4)، وَلَكِنَّهُ رُبَاعِيٌّ، وذرأْنا ثُلَاثِيٌّ.
وَحَكَى ابْنُ قُتَيْبَةِ (¬5) عَنْ بِشْر الْمِرِّيْسِي أَنه كَانَ يَقُولُ لِجُلَسَائِهِ (¬6): قَضَى اللَّهُ لَكُمُ الْحَوَائِجَ عَلَى أَحسن الْوُجُوهِ وأهيؤُها (¬7)، فَسَمِعَ قَاسِمٌ التَّمَّار قَوْمًا يَضْحَكُونَ، فَقَالَ: هَذَا كما قال الشاعر:
إِنَّ سُلَيْمَى واللهُ يَكْلَؤُها ... ضَنَّت بشيءٍ ما كان يَرْزَؤُها
وَبِشْرٌ المِرِّيسي (¬8) رَأْسٌ فِي الرأْي، وَقَاسِمٌ التَّمَّار رأْس فِي أَصْحَابِ الْكَلَامِ (¬9).
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ (¬10): وَاحْتِجَاجُهُ لِبِشْرٍ (¬11) أَعْجَبُ مِنْ لَحْنِ بِشْرٍ.
وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى تَحْلِيلِ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ بِقَوْلِ اللَّهِ تعالى: {وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} (¬12)، فَاقْتَصَرَ عَلَى تَحْرِيمِ اللَّحْمِ دُونَ غَيْرِهِ (¬13)، فَدَلَّ عَلَى أَنه حَلَالٌ.
وَرُبَّمَا سلَّم بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مَا قَالُوا، وَزَعَمَ أَن الشَّحْمَ إِنما حَرُمَ بالإِجماع، والأَمر أَيسر مِنْ ذَلِكَ، فإِن اللَّحْمَ يُطلق (¬14) على الشحم وغيره
¬_________
=وهي بالفتح مصدر "غِوَى" كرِضى، وأما مصدر "غَوِيَ الفصيل"، فهو الغَوَى. اهـ.
(¬1) الآية (179) من سورة الأعراف.
(¬2) في (م): "لأنا".
(¬3) في (خ): "وكذلك إذا كان"، وفي (م): "وكذلك يكون".
(¬4) حكاه أيضاً ابن قتيبة (ص73 ـ 74).
(¬5) في (خ) و (م): "ابن تيمية"، والمثبت من (غ)، وهو الصواب؛ فهذه الحكاية في "تأويل مختلف الحديث" (ص87).
(¬6) في (خ): "لجسائه".
(¬7) في (غ) و (ر): "أهيئها"، وهو الصواب لغة، لكن الحكاية سيقت لإثبات لحن بشر.
(¬8) قوله: "المريسي" سقط من (ر).
(¬9) في (خ): "في علم الكلام".
(¬10) في الموضع السابق.
(¬11) في (خ): "ببشر".
(¬12) سورة البقرة: آية (173)، وسورة المائدة: آية (3)، وسورة النحل: آية (115).
(¬13) ذكر هذا ابن قتيبة أيضاً (ص66).
(¬14) في (غ) و (ر): "ينطلق".

الصفحة 48