كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 2)
حَقِيقَةً، حَتَّى إِذَا خُصّ بِالذِّكْرِ قِيلَ: شَحْمٌ؛ كما قيل (¬1): عِرْق، وعَصَب، وجلد. ولوكان عَلَى مَا قَالُوا؛ لَزِمَ أَن لَا يَكُونُ العِرْق ولا العصب (¬2) وَلَا الْجِلْدُ وَلَا المُخّ وَلَا النُّخَاع وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا خُصَّ بِالِاسْمِ مُحَرَّمًا، وَهُوَ خُرُوجٌ عَنْ الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ الْخِنْزِيرِ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خَفِيِّ هَذَا الْبَابِ: مَذْهَبُ الْخَوَارِجِ في زعمهم أنه (¬3) لا تحكيم للرجال (¬4)؛ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ} (¬5)، فَإِنَّهُ مَبْنيٌّ عَلَى أَن اللَّفْظَ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ، فَلَا يَلْحَقُهُ تَخْصِيصٌ، فَلِذَلِكَ أَعْرَضُوا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (¬6)، وقوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (¬7)، وَإِلَّا فَلَوْ عَلِمُوا تَحْقِيقًا قَاعِدَةَ الْعَرَبِ فِي (¬8) أَن الْعُمُومَ يُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ (¬9)؛ لَمْ يُسْرِعُوا (¬10) إلى الإنكار، ولقالوا في أنفسهم: لَعَلَّ (¬11) هذا العام مخصوص! فيتأَوَّلون.
وفي (¬12) الموضع وَجْهٌ آخَرُ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا.
وَكَثِيرًا مَا يُوقِعُ (¬13) الْجَهْلُ بِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي مخازٍ (¬14) لَا يَرْضَى بِهَا عَاقِلٌ، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنَ الْجَهْلِ وَالْعَمَلِ بِهِ بِفَضْلِهِ.
فَمِثْلُ هَذِهِ الِاسْتِدْلَالَاتِ لا يُعْبَأُ بها، وتسقط مكالمة أصحابها (¬15)،
¬_________
(¬1) في (خ): "يقال".
(¬2) في (خ): "العرق والعصب".
(¬3) في (خ): "أن".
(¬4) قوله: "للرجال" ليس في (خ) و (م).
(¬5) سورة الأنعام: آية (57)، وسورة يوسف: الآيتان (40، 67).
(¬6) سورة النساء: آية (35).
(¬7) سورة المائدة: آية (95).
(¬8) قوله: "في" ليس في (غ) و (ر).
(¬9) في (خ): "لم يرد به الخصوص". وعلق عليه رشيد رضا بقوله: كذا! والمعنى المراد: أن من العموم ما يراد به الخصوص. اهـ.
(¬10) في (غ) و (ر): "يتسرعوا".
(¬11) في (خ): "هل" بدل "لعل".
(¬12) في (غ) و (ر): "في".
(¬13) في (م): "يقع".
(¬14) في (خ) و (م): "مجاز".
(¬15) في (خ): "أهلها".
الصفحة 49