كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 2)
فَصْلٌ
وَمِنْهَا: انْحِرَافُهُمْ عَنِ الأُصول الْوَاضِحَةِ إِلَى اتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهَاتِ الَّتِي لِلْعُقُولِ فِيهَا مَوَاقِفُ، وَطَلَبُ الأَخذ بِهَا تأْويلاً كَمَا أَخبر اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ إِشَارَةً إِلَى النَّصَارَى فِي قَوْلِهِمْ بِالثَّالُوثِيِّ؛ بِقَوْلِهِ (¬1): {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (¬2). وَقَدْ عَلِمَ العلماءُ أَن كُلَّ دَلِيلٍ فِيهِ اشْتِبَاهٌ وإِشكال لَيْسَ بِدَلِيلٍ فِي الْحَقِيقَةِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَعْنَاهُ وَيَظْهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ. وَيُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَن لَا يُعَارِضَهُ أَصل قَطْعِيٌّ. فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ مَعْنَاهُ لإِجمال أَو اشْتِرَاكٍ، أَو عَارَضَهُ قَطْعِيٌّ؛ كَظُهُورِ تَشْبِيهٍ، فَلَيْسَ بِدَلِيلٍ؛ لأنَّ حَقِيقَةَ الدَّلِيلِ أَن يَكُونَ ظَاهِرًا فِي نَفْسِهِ، وَدَالًّا عَلَى غَيْرِهِ، وَإِلَّا احْتِيجَ إِلَى دَلِيلٍ عَلَيْهِ (¬3)، فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ فأَحْرَى أَن لَا يَكُونَ دَلِيلًا (¬4).
وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تعارِض الفروعُ الجزئيةُ الأُصولَ الكليةَ؛ لأنَّ الْفُرُوعَ الْجُزْئِيَّةَ إِنْ لَمْ تَقْتَضِ عَمَلًا، فَهِيَ فِي مَحَلِّ التوقُّف، وَإِنِ اقْتَضَتْ عَمَلًا فَالرُّجُوعُ إلى الأُصول هو الصراط المستقيم، وتُتَأوَّلُ (¬5) الجزئيّات حتى
¬_________
(¬1) في (غ) و (ر): "فقوله.
(¬2) سورة آل عمران: الآية (7).
(¬3) قوله: "عليه" ليس في (خ).
(¬4) من المعلوم أن لنفاة الصفات مسلكين في النفي، وهما: 1 ـ التأويل. 2 ـ التفويض.
وكلام الشاطبي رحمه الله هنا، وفي مواضع عدّة من كتبه يدل على أنه ممن سلك مسلك المفوِّضة الذين يجعلون نصوص الصفات من المتشابه الذي لا يعقل معناه، وقد جمع الشيخ ناصر الفهد ـ وفقه الله ـ شتات كلام الشاطبي في هذا، ورد على شبهته في كتابه "الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام" (ص30 ـ 39)، فانظره إن شئت.
(¬5) في (م): "ويتأول"، وفي (خ): "ويتناول".
الصفحة 53