كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 2)

فقال: كأني (¬1) بك وقد استحسنت ما رأيت (¬2) مِنْ مَجْلِسِنَا، فَقُلْتُ: أَيّ خَلِيفَةٍ خَلِيفَتُنَا! إِنْ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ (¬3) بِقَوْلِ أَبِيهِ مِنَ الْقَوْلِ بخلق القرآن. [فقلت: نعم] (¬4). فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ عَلَى ذَلِكَ بُرْهَةً مِنَ الدَّهْرِ، حتى أُقْدِمَ (¬5) عَلَى الْوَاثِقِ (¬6) شَيْخٌ (¬7) مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ من "أَذَنَة" (¬8)؛ من الثَّغْر الشامي، مُقَيَّدٌ طوَالٌ (¬9)، حَسَنَ الشَّيْبة، فسلَّم غيرَ هَائِبٍ، وَدَعَا فأَوجز، فرأَيت الْحَيَاءَ مِنْهُ فِي حَمَالِيق عَيْنَيِ الْوَاثِقِ وَالرَّحْمَةَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ: يَا شَيْخُ (¬10)! أَجِبْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحمد بْنَ أَبي دُؤَاد (¬11) عَمَّا يسأَلك عَنْهُ. فَقَالَ: يَا أَمير الْمُؤْمِنِينَ! أَحمد يَصْغُرُ وَيَضْعُفُ وَيَقِلُّ عِنْدَ الْمُنَاظَرَةِ. فَرَأَيْتُ الْوَاثِقَ وقد (¬12) صار مكان الرحمة عليه والرِّقَّة له غَضَبًا (¬13)، فَقَالَ: أَبو عَبْدِ اللَّهِ يَصْغُرُ وَيَضْعُفُ وَيَقِلُّ (¬14) عِنْدَ مُنَاظَرَتِكَ؟ فَقَالَ: هوِّن عَلَيْكَ يَا أَمير المؤمنين! أَتأْذن (¬15) فِي كَلَامِهِ؟ فَقَالَ لَهُ الْوَاثِقُ: قَدْ أَذنت (¬16) لك.
فأَقبل الشَّيْخُ عَلَى أَحْمَدَ، فَقَالَ: يَا أَحمد! إِلامَ دَعَوْتَ النَّاسَ؟ فَقَالَ أَحْمَدُ: إِلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ (¬17) لَهُ الشَّيْخُ: مَقَالَتُكَ هَذِهِ الَّتِي دَعَوْتَ النَّاسَ إِلَيْهَا مِنَ الْقَوْلِ بِخَلْقِ القرآن، أَداخلة في الدين فلا يكون
¬_________
(¬1) في (خ): "كأنني".
(¬2) قوله: "ما رأيت" ليس في (خ) و (م).
(¬3) في (خ): "يقل".
(¬4) ما بين المعقوفين زيادة من "مروج الذهب".
(¬5) في (م): "قدم".
(¬6) قوله: "على الواثق" ليس في (غ) و (ر).
(¬7) في (خ): "شيخاً".
(¬8) قوله: "من أذنة" ليس في (غ) و (ر).
وأذنة: بلد من الثغور قرب المصِّيصة بنيت سنة (190هـ) في وقت هارون الرشيد. انظر: "معجم البلدان" (1/ 133).
(¬9) في (خ): "مقيداً طوالاً".
(¬10) في (غ) و (ر): "أيا شيخ".
(¬11) في (غ) و (ر) و (م): "داود".
(¬12) في (غ) و (ر): "قد".
(¬13) في (خ): "الرحمة غضباً عليه".
(¬14) في (خ): "يقلل".
(¬15) في (خ): "أتأذن لي".
(¬16) قوله: "قد أذنت" ليس في (غ).
(¬17) في (غ) و (ر): "قال".

الصفحة 59