كتاب الوجيز في أصول الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 2)

مشهورة، أو خبر آحاد.
قال الإمام الشافعي رحمه اللَّه تعالى: "لا يَنْسخ كتابَ اللَّه إلا كتابهُ ... فهو المزيل المثبت لما شاء منه، جل ثناؤه، ولا يكون ذلك لأحد من خلقه" ثم قال: "وهكذا سنة رسول اللَّه: لا ينسخها إلا سنة لرسول اللَّه" (١).
واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة، أهمها:
١ - قال اللَّه تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦)} [البقرة: ١٠٦]، قال الشافعي رحمه اللَّه تعالى: "فأخبر اللَّه أن نسخ القرآن وتأخير إنزاله لا يكون إلا بقرآن مثله" (٢)؛ لأن السنة ليست بخير من القرآن، ولا مثله، فلا تكون ناسخة له، ودلت آخر الآية أن اختصاص التبديل محصور بمن له القدرة الكاملة، وهو اللَّه تعالى، فكان النسخ بكلامه وهو القرآن، لا السنة.
واعترض على ذلك أن السنة من عند اللَّه تعالى كالقرآن؛ لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَى}، [النجم: ٣ - ٤]. لكن القرآن معجز ومتعبد بتلاوته وهو كلام اللَّه تعالى، وليست السنة كذلك، وأن المراد بالخيرية والمثلية هو في الحكم بحسب مصلحة الناس، لا باللفظ، وقد يكون الناسخ في السنة أنفع للمكلف بكثرة الثواب وغيره.
٢ - قال اللَّه تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} [النحل: ١٠١]، فصرح القرآن أن اللَّه يبدل آية بآية، فلا تكون السنة ناسخة لآية.
٣ - قال اللَّه تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إلا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [يونس: ١٥]، فالسنة لا تكون بديلًا عن القرآن، والتبديل لا يكون من عند النبي - صلى الله عليه وسلم -.
---------------
(١) الرسالة ص ١٠٦، وانظر: الإحكام للآمدي (٣/ ١٥٣)، المحصول (٣/ ٥١٩)، نهاية السول (٢/ ١٨١)، المستصفى (١/ ١٢٤)، الحاوي (٢٠/ ١٣٢).
(٢) الرسالة ص ١٠٦.

الصفحة 258