كتاب الوجيز في أصول الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 2)

وبين مراتب المجتهدين عند الأصوليين، فقال: "المفتون الذين نَصبُوا أنفسهم للفتوى أربعة أقسام:
"أحدهم: العالم بكتاب اللَّه وسنة رسوله وأقوال الصحابة، فهو المجتهد في أحكام النوازل، يقصد فيها موافقة الأدلة الشرعية حيث كانت، ولا ينافي اجتهادُه تقليدَه لغيره أحيانًا، فلا تجد أحدًا من الأئمة إلا وهو مقلد من هو أعلم منه في بعض الأحكام، وقد قال الشافعي رحمه اللَّه ورضي عنه في موضع من الحج: "قلته تقليدًا لعطاء".
"فهذا النوع يسوغ لهم الإفتاء، ويسوغ استفتاؤهم، ويتأدى بهم فرض الاجتهاد، وهم الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ اللَّه يبعثُ لهذه الأمةِ على رأسِ كلِّ مئةِ سنةٍ مَنْ يجدّدُ لها دينها" (١)، وهم غرسُ اللَّه الذين لا يزال يغرسهم في دينه، وهم الذين قال فيهم علي بن أبي طالب كرم اللَّه وجهه: "لن تخلُو الأرضُ من قائمٍ للَّه بحجته".
"النوع الثاني: مجتهد مقيد في مذهب من ائتم به، فهو مجتهد في معرفة فتاويه وأقواله ومأخذه وأصوله، عارف بها، متمكن من التخريج عليها، وقياس ما لم ينص من ائتم به عليه على منصوصه، من غير أن يكون مقلِّدًا لإمامه، لا في الحكم ولا في الدليل، لكن سلك طريقه في الاجتهاد والفتيا، ودعا إلى مذهبه ورتَّبه وقرَّره، فهو موافق له في مقصده وطريقه معًا، مثل القاضي أبي يعلى من الحنابلة".
"النوع الثالث: من هو مجتهد في مذهب من انتسب إليه، مقرر به بالدليل، متقن لفتاويه، عالم بها، لكن لا يتعدى أقواله وفتاويه ولا يخالفها، وإذا وجد نص إمامه لم يعدل عنه إلى غيره ألبتة، وهذا شأن أكثر المصنفين في مذاهب أئمتهم، وهو حال أكثر علماء الطوائف".
"وكثير منهم من يظن أنه لا حاجة به إلى معرفة الكتاب والسنة والعربية،
---------------
(١) هذا الحديث رواه أبو داود، والحاكم، والبيهقي في "المعرفة" عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه مرفوعًا.

الصفحة 297