كتاب الوجيز في أصول الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 2)

الأصح والغزالي والسبكي والشاطبي وغيرهم: يمتنع تتبع الرخص في المذاهب؛ لأنه اتباع لأهواء النفس، وميل للهوى، وقال ابن عبد البر وابن حزم: لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعًا؛ لأنه يؤدي إلى إسقاط التكاليف، وقال الحنفية في الراجح، وأكثر أصحاب الشافعي وبعض المالكية كالقرافي: يجوز تتبع رخص المذاهب؛ لعدم وجود مانع في الشرع، وأنه سلوك للأخف، لكن القرافي قيّد ذلك بألا يترتب عليه باطل عند جميع من قلدهم، وقيد غيره ذلك بألا يكون الشخص قد باشر التصرف وفق القول الأول.
وقال بعض العلماء بفسق من تتبع الرخص، وقال آخرون: لا يفسق.
وحكى البيهقي عن إسماعيل القاضي قال: دخلت على المعتضد (الخليفة) فرفع إليَّ كتابًا لأنظر فيه، وقد جمع فيه الرخص من زلل العلماء، وما احتج به كل منهم، فقلت: مصنف هذا زنديق .. ، وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه، فأمر المعتضد بحرق ذلك الكتاب (١).
والراجح أنه لا مانع من الأخذ بالرخص من المذاهب عند الحاجة للفرد، أو للجماعة في التشريع وعند وضع الأنظمة من اللجان المختصة، أما التزام ذلك وتتبعه للفرد فإنّه يدل على رقة الدِّين، وضعف اليقين، وقلة الورع، ويخشى على صاحبه من التفلت والتهرب من أحكام الشرع وتكاليفه، وخاصة في حقوق العباد والمعاملات والمحظورات.

خامسًا: دعوى الإلهام:
يزعم بعض الناس أن العلم إلهام من اللَّه تعالى، ويزعمون أن اللَّه تعالى يلهمهم، ويلقي في قلوبهم أحكامًا ليعملوا بها، ويفتوا الناس بها.
---------------
(١) روضة الطالبين (١١/ ١٠٨)، المسودة ص ٢١٨، مختصر البعلي ص ١٦٨، أعلام الموقعين (٤/ ٢٨٣)، المستصفى (٢/ ٣٩١)، الموافقات (٤/ ٩٣، ٩٦)، إرشاد الفحول ص ٢٧٢، المدخل إلى مذهب أحمد ص ١٩٥، أصول الفقه الإسلامي، الزحيلي (٢/ ١١٥٢)، أصول الأحكام ص ٣٨٢، جمع الجوامع والبناني عليه (٢/ ٤٠٠)، الموافقات (٤/ ١٣١)، وما بعدها، تيسير التحرير (٤/ ٢٥٤)، فواتح الرحموت (٢/ ٤٠٦)، شرح الكوكب المنير (٤/ ٥٧٧)، البحر المحيط (٦/ ٣٢٥).

الصفحة 375