كتاب الوجيز في أصول الفقه الإسلامي (اسم الجزء: 2)

وإن لم يوجد في البلد إلا مفت واحد، تعين سؤاله والرجوع إليه، أما إن تعدد العلماء والمفتون وتفاوتوا في العلم والفضل، فاختلف الأصوليون في ذلك على قولين:
القول الأول: التخيير في سؤال أحد العلماء، وهو قول الأكثرين والفقهاء، ومنهم الحنفية والمالكية والشافعية وأكثر الحنابلة، وقالوا: "يجوز تقليد المفضول مع وجود الأفضل في العلم"، قال الرافعي رحمه اللَّه تعالى: "وهو الأصح عند عامة الأصحاب، وقال: إنه الأصح" (١).
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣، الأنبياء: ٧]، فالآية مطلقة، ولم تفرق بين العالم والأعلم، مع تفاوت درجتهم في العلم والمعرفة عادة.
وكان الصحابة رضوان اللَّه عليهم يستفتون أي عالم من الصحابة مع تفاوتهم في الفضل والعلم والاجتهاد، ولم ينكر عليهم أحد، فكان ذلك إجماعًا.
قال الآمدي رحمه اللَّه تعالى: "إن الصحابة كان فيهم الفاضل والمفضول من المجتهدين، فإن الخلفاء الأربعة كانوا أعرف بطريق الاجتهاد من غيرهم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "عَليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهْديِّين، تمسكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ" (٢)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أقضاكم عليّ، وأفرضُكم زَيْد، وأعرفكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل" (٣)، وكان
---------------
= (٤/ ٥٤٢)، ولكن اليوم يعرف بالشهادة الجامعية التي يحملها، وانظر: البحر المحيط (٦/ ٣٠٩).
(١) البحر المحيط (٦/ ٣١١).
(٢) هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي.
(٣) هذا جزء من حديث رواه الترمذي عن أنس مرفوعًا، وقال: "حسن صحيح" وهو حديث مشهور، وأوله "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر اللَّه عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة" المقاصد الحسنة ص ٤٧، ٤٢، الفتح الكبير (١/ ١٧٢)، وفي رواية البخاري: "أقضانا علي" ولفظ =

الصفحة 382