كتاب تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة (اسم الجزء: 2)
وقيل: إن سرية من أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، خرجوا إلى قتال المشركين يقاتلونهم حتى قتلوا جميعًا، فشق على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه بقتلهم، فدعا عليهم باللعنة - يعني: على المشركين - أربعين يومًا في صلاة الغداة؛ فنزل قوله: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ).
وعن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يوم أحد: " اللَّهُمَّ الْعَنْ أَبَا سُفْيان، اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلانًا، حتى لعن نفرًا منهم " فنزل قوله: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ. . .) الآية.
وقيل: " إن نفرًا من المسلمين انهزموا، فشق ذلك على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فنزل: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ)، فأمره بكف الدعاء عنهم، واللَّه أعلم بالقصة في ذلك.
وقوله: (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ):
فإن كانت القصة في الكفار فكأنه طلب التوبة والهدى، وأفرط في الشفقة فقال: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) فيهديهم لدينه، (أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) على كفرهم؛ (فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)؛ كقوله: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).
فإن كان في المؤمنين فقوله: (يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) عن ذنبهم الذي ارتكبوا، (أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) بذنبهم، ولا يعفو عنهم، واللَّه أعلم بذلك.
وقوله: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ... (129)
فيه دلالة ما ذكرنا في قوله: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) إنما الأمر إلى اللَّه، الذي له ما في السماوات وما في الأرض، هو الذي يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء.
الصفحة 474
574