كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 2)

ولا حسبا فخرت به لتيم … ولا جدا إذا ازدحم الجدود (¬1)
أراد فلا ذكرت حسبا فخرت به، وقد يجوز أن تكون " لا " للنفي ونوّن الحسب اضطرارا، وقد كان يونس يذهب إليه.
قال: " وإن شئت رفعت، والرفع فيه أقوى؛ إذ كان في ألف الاستفهام؛ لأنهن نفي واجب ".
يعني لما جاز أن يكون الرفع في الاستفهام، وإن كان الاختيار النصب كان الرفع في حروف النفي أقوى؛ لأنها لم تبلغ أن تكون في القوة مثل حروف الاستفهام والجزاء؛ لشبه المبتدأ الذي ذكرناه.
قال: (فإن جعلت " ما " بمنزلة " ليس " في لغة أهل الحجاز لم يكن إلا الرفع؛ لأنك تجيء بالفعل بعد ما عمل فيه ما هو بمنزلة فعل يرفع، كأنك قلت: ليس زيد ضربته).
يعني أن أهل الحجاز يرفعون الاسم ب " ما "، ويجعلونها بمنزلة " ليس " فإذا قلت:
" ما زيد ضربته "، فالرفع لا غير في " زيد " على قولهم؛ لأنهم جعلوها عاملة في " زيد " فغير جائز أن تضمر فعلا آخر ينصب زيدا، وقد رفعته ب " ما " وذكرت " ضربته " بعد ما عملت " ما " في " زيد "، فكأنك قلت: " كان زيد ضربته " و " ليس زيد ضربته ".
قال: (وقد أنشد بعضهم هذا البيت رفعا:
وقالوا تعرّفها المنازل من منى وما كلّ من وافى منى أنا عارف) (¬2)
كأنما قال: اطلبها في المنازل. قال: (فإن شئت حملته على " ليس ").
يعني إن شئت جعلت " كلّ " مرفوعا بما، وجعلت " أنا عارف " في موضع الخبر، وأضمرت في عارف " ها " تعود إلى " كلّ " كأنك قلت: أنا عارفه، وهذا على لغة أهل الحجاز.
قال: (وإن شئت حملته على " كلّه لم أصنع " وهذا أبعد الوجهين).
¬__________
(¬1) الخزانة 1/ 477، ديوان جرير 165.
(¬2) البيت لمزاحم العقيلي، انظر شرح شواهد المغني 328.

الصفحة 4